للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وترك العاضد من الولد الأمير داود، والأمير عليّا ويقال أبو علىّ، والأمير عبد الكريم، وتميما، وموسى، وعبد القوى، وجعفر، وعبد الصّمد، وأبا الفتوح، وحيدرة، وإبراهيم، ويحيى، وجبريل، وعيسى، وسليمان، ويوسف (١). غير أنّ أيّامه كانت ذات مخاوف وتهديدات، وقاسى شاورا وتلوّناته ومخايلاته، ثم محاصرة الفرنج ومضايقته. وفى أيّامه احترقت مصر وذهبت أموال أهلها وزالت نعمتهم بالحريق والنّهب. وكان متغاليا فى مذهبه شديدا على من خالفه. ولم يكن فيمن ولى من آبائه من أبوه غير خليفة سواه ومن قبله الحافظ، وما عداهما فلم يل منهم أحد الخلافة إلاّ من كان أبوه خليفة.

وقال ابن خلّكان: سمعت جماعة من المصريّين يقولون إنّ هؤلاء القوم فى أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء اكتب لنا ورقة تذكر فيها ألقابا تصلح للخلفاء حتّى إذا تولّى واحد لقّبوه ببعض تلك الألقاب، فكتب لهم ألقابا كثيرة، وآخر ما كتب فى الورقة العاضد، فاتّفق أنّ آخر من ولى منهم تلقّب بالعاضد؛ وهذا من عجيب الاتّفاق (٢).

قال: وأخبرنى أحد علماء المصريّين أيضا أنّ العاضد رأى فى آخر دولته فى منامه كأنّه بمدينة مصر وقد خرجت إليه عقرب من مسجد معروف بها فلدغته، فلمّا استيقظ ارتاع لذلك وطلب بعض معبّرى الرؤيا وقصّ عليه المنام، فقال ينالك مكروه من شخص هو مقيم فى هذا المسجد، فطلب والى مصر وأمره يكشف عمّن هو مقيم فى المسجد المذكور، وكان العاضد يعرفه. فمضى الوالى إلى المسجد فرأى فيه رجلا صوفيّا، فأخذه ودخل به على العاضد، فلمّا رآه سأله من أين هو، ومتى قدم البلاد، وفى أىّ شيء قدم، وهو يجاوبه عن كلّ سؤال. فلمّا ظهر له منه ضعف الحال والصّدق والعجز عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئا وقال له: يا شيخ ادع لنا، وأطلق سبيله؛ فنهض من عنده وعاد إلى المسجد.

فلما استولى صلاح الدّين وعزم على القبض على العاضد واستفتى الفقهاء أفتوه بجواز ذلك


(١) سبق قبل أسطر ذكر عدة أولاد العاضد وأسمائهم، وهم ثلاثة عشر اتفق النويرى مع المقريزى على أسمائهم. أما من ذكرهم هنا فعدتهم ستة عشر ولدا من بينهم تميم، وحيدرة، وجبريل، وسليمان، وسقط هنا ممن ورد ذكرهم أولا اسم أبى اليسر.
(٢) وفيات الأعيان: ٢٦٩:١ - ٢٧٠.