للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد وكثرة الوقوع فى الصّحابة، وكان أكثرهم مبالغة فى الفتيا الصّوفى المقيم فى المسجد - وهو نجم الدّين الخبوشانى (١) - فإنه عدّد مساوئ القوم وسلب عنهم الإيمان، وأطال الكلام فى ذلك؛ فصّحت بذلك رؤيا العاضد.

وحكى الشّريف الجليس أنّ العاضد طلبه يوما، فلمّا دخل عليه رأى عنده مملوكين من التّرك عليهما أقبية، فسأله عنهما، فقال له: هذه هيئة الّذين يملكون ديارنا ويأخذون أموالنا؛ فلمّا دخل الغزّ كانت هيئتهم كهيئة هذين المملوكين (٢).

ومن العجيب أنّه لم يمت بالقصر منهم إلاّ المعزّ أولهم بمصر والعاضد آخرهم، وعدّتهم أربعة عشر دفنوا كلّهم بالتّربة فى المجلس؛ فلو اتّفق أنّه مات آخر لم يوجد له عندهم مكان يدفن فيه لامتلائه بقبور الأربعة عشر، وهذا أيضا من عجيب أمرهم.

ولمّا مات العاضد استولى صلاح الدّين على جميع ما كان فى القصر، فإنّ قراقوش قام بحفظه، فلم يجد فيه كثير مال، لكنّه وجد فيه من الفرش والسّلاح والذّخائر والتّحف ما يخرج عن الإحصاء، ووجد فيه من الأعلاق النّفيسة والأشياء الغريبة ما تخلو الدّنيا من مثله، ومن الجواهر ما لا يوجد عند غيرهم مثله. منها حبل ياقوت زنته سبعة عشر درهما أو سبعة عشر مثقالا، ونصاب زمرد طوله أربعة أصابع فى عرض كبير (٣)، ولؤلؤ كثير،


(١) أبو البركات محمد بن الموفق بن سعيد بن على بن الحسن بن عبد الله الخبوشانى، نجم الدين، الفقيه الشافعى؛ لما استقل صلاح الدين بمصر قربه منه وأكرمه لاعتقاده فى علمه ودينه وفوض إليه تدريس المدرسة المجاورة لقبر الإمام الشافعى. ولد سنة ٥١٠ وتوفى سنة ٥٨٧، ودفن فى قبة تحت رجلى الإمام الشافعى، وعاش ولم يأكل من وقف المدرسة لقمة، وكفن فى كسائه الذى أحضره من خبوشان. وخبوشان، بفتح الخاء أو ضمها وضم الباء، من أعمال نيسابور. معجم البلدان: ٣٩٨:٣؛ وفيات الأعيان: ٤٧١:١ - ٤٧٢؛ طبقات الشافعية: ١٩٠:٤ - ١٩٥؛ شذرات الذهب: ٢٨٨:٤.
(٢) فى الأصل: كهيئة تلك المملوكين.
(٣) يقول أبو شامة ومن عجيب ما وجد فيه قضيب زمرد طوله شبر وكسر، قطعة واحدة، وكان سمت حجره قدر الإبهام … وقد أحضر السلطان صانعا ليقطعه، فأبى، فرماه السلطان فانقطع ثلاث قطع، وفرقه على نسائه. كتاب الروضتين: ٥٠٦:١.