للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن إخراجه للعساكر المنصورة، والجيوش المظفرة إلا لما فيه إعزازكم وحمايتكم والجهاد عنكم، إذ قد تخطفتكم الأيدي، واستطال عليكم المستذل وأطمعته نفسه بالاقتدار على بلدكم في هذه السنة، والتغلب عليه وأسر من فيه، والاحتواء على نعمكم وأموالكم حسب ما فعله في غيركم من أهل بلدان المشرق، وتأكد عزمه، واشتد كلبه، فعاجله مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بإخراج العساكر المنصورة، وبادره بانفاذ الجيوش المظفرة دونكم، ومجاهدته عنكم وعن كافة المسلمين ببلدان المشرق، الذين عمهم الخزي، وشملتهم الذلة، واكتنفتهم المصائب وتتابعت الرزايا، واتصل عندهم الخوف وكثرت استغاثتهم، وعظم ضجيجهم، وعلا صراخهم، فلم يغثهم إلا من أرمضه أمرهم، ومضه حالهم، وأبكى عينه ما نالهم، وأسهرها ما حل بهم، وهو مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فرجا بفضل الله، وإحسانه لديه، وما عوده وأجراه عليه استنقاذ من أصبح منهم في ذل مقيم، وعذاب أليم، وأن يؤمن من استولى عليه الوهل، ويفرخ روع من لم يزل في خوف ووجل، وآثر إقامة الحج الذي تعطل وأهمل العباد فروضه وحقوقه لخوف المستولى عليهم، وإذ لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم، وإذ قد أوقع بهم مرة بعد أخرى، فسفكت دماؤهم، وابتزت أموالهم، مع اعتماد ما جرت به عادته من صلاح الطرقات، وقطع عبث العابثين فيها، ليتطرق الناس آمنين، ويسيروا مطمئنين، ويتحفوا بالأطعمة والأقوات، إذ كان قد انتهى إليه صلوات الله عليه انقطاع طرقاتها، لخوف مادتها، إذ لا زاجر للمعتدين، ولا دافع للظالمين.

ثم تجديد السكة، وصرفها إلى العيار الذي عليه السكة الميمونة المنصورية المباركة، وقطع الغش منها، إذ كانت هذه الثلاث خصال هي التي لا يتسع لمن ينظر في أمور المسلمين إلا إصلاحها، واستفراغ الوسع فيما يلزمه منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>