القصار كانوا من أصول هذه الدعوة، فأخذ عن عبدان، وقيل بل أخذ عن حمدان قرمط، وسار داعية، فنزل القطيف وهي حينئذ مدينة عظيمة فجلس بها يبيع الرقيق، فلزم الوفاء والصدق، وكان أول من أجابه الحسين بن سنبر، وعلي بن سنبر، وحمدان بن سنبر، في قوم ضعفاء، ما بين قصاب وحمال وأمثال ذلك، فبلغه أن بناحيته داعيا يقال له أبو زكريا، أنفذه عبدان قبل أبي سعيد وكان قد أخذ على بني سنبر من قبل، فعظم أمره على أبي سعيد وقبض عليه وقتله، فحقد عليه بنو سنبر قتله.
واتفق أن البلد كان واسعاً، ولأهله عادة بالحروب، وهم رجال شداد جهال، فظفر أبو سعيد باشتهار دعوته في تلك الديار، فقاتل بمن أطاعه من عصاه، حتى اشتدت شوكته.
وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها، فهابه الناس، وأجابه كثير منهم، وفر منه خلق كثير إلى بلدان شتى خوفاً من شره، ولم يمتنع عليه إلا هجر وهي مدينة البحرين ومنزل سلطانها، وبها التجار والوجوه فنازلها شهوراً يقاتل أهلها، ثم وكل بها رجلا.
وارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان فابتنى بها دارا، وجعلها منزلا، وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها، وكان يركب إلى هجر، ويحارب أهلها، ويعقب قومه على حصارها.
ودعا العرب فأجابه بنو الأضبط من كلاب، وساروا إليه بحرمهم وأموالهم، فأنزلهم الأحساء، وأطمعوه في بني كلاب، وسائر من يقرب منه من العرب فضم إليهم رجالا، وساروا فأكثروا من القتل، وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة إلى الأحساء، فدخل الناس في طاعته، فوجه جيشاً إلى بني عقيل فظفر بهم، ودخلوا في طاعته.