وكان المعز يخرج إلى جوهر فى كل يوم ويخلو به، وأمره أن يأخذ من بيوت الأموال ما يريد زيادة على ما أعطاه.
وركب إليه المعز يوما فجلس وقام جوهر بين يديه، فالتفت المعز إلى المشايخ الذين وجههم معه وقال:
«والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، وليدخلنّ إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلنّ فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا».
قال:«ونزل جوهر مناخه موضع القاهرة الآن فى يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، واختط القصر، وبات الناس، فلما أصبحوا حضروا للهناء فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل، وكانت فيه زورات غير معتدلة، فلما شاهد ذلك جوهر لم يعجبه، ثم قال:
«قد حفر فى ليلة مباركة وساعة سعيدة» فتركه على حاله».
وقال ابن زولاق:«ولما أصبح أنفذ علىّ بن الوليد القاضى لعسكره، وبين يديه أحمال مال ومناد ينادى: «من أراد الصدقة فليصر إلى دار أبى جعفر»، فاجتمع خلق من المستورين والفقراء، فصاروا بهم إلى الجامع العتيق (١) ففرّق فيهم.
ولما كان يوم الجمعة لعشر بقين من شعبان نزل جوهر فى عسكر إلى الجامع العتيق لصلاة الجمعة، وخطب بهم هبة الله بن أحمد - خليفة عبد السميع بن عمر العباسى - ببياض، فلما بلغ إلى الدعاء قرأه من رقعة وهو:
«اللهم صلّ على عبدك ووليك، ثمرة النبوة، وسليل العترة الهادية المهدية، عبد الله الإمام معدّ أبى تميم المعز لدين الله، أمير المؤمنين، كما صليت على آبائه الطاهرين وأسلافه الأئمة الراشدين».
(١) هو جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وقد سمى أيضا فى عهد ازدهاره «تاج الجوامع» ثم لما تقادم به العهد، وكثرت الى جوانبه جوامع الفسطاط سمى «الجامع العتيق» انظر: (محمود أحمد: جامع عمرو بن العاص).