قال: تقول له: الذي أنزل بجيشك ما أنزل بغيك، هذا بلد خارج عن يدك، غلبت عليه، وقمت به، وكان بي من الفضل ما آخذ به غيره، فما عرضت لما كان في يدك، ولا هممت به، ولا أخفت لك سبيلا، ولا نلت أحداً من رعيتك بسوء؛ فتوجيهك إلي الجيوش لأي سبب؟ اعلم أني لا أخرج عن هذا البلد، ولا توصل إليه وفي هذه العصابة التي معي روح، فأكفني نفسك، ولا تتعرض لما ليس لك فيه فائدة، ولا تصل إلى مرادك منه إلا ببلوغ القلوب الحناجر.
وأطلقه، وبعث معه من يرده إلى مأمنه، فوصل إلى بغداد في شهر رمضان، وقد كان الناس يعظمون أمره ويكثرون ذكره، ويسمونه قائد الشهداء، فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه التحرز فاعتذر، ولم يبرح حتى رضى عنه.
وسأله عن خبره، فعرفه جميعه، وبلغه ما قال القرمطي، فقال: صدق، ما أخذ شيئاً كان في أيدينا.
وأطرق مفكرا، ثم رفع رأسه وقال: كذب عدو الله الكافر، المسلمون رعيتي حيث كانوا من بلاد الله، والله لئن طال بي عمري لأشخصن بنفسي إلى البصرة وجميع غلماني، ولأوجهن إليه جيشاً كثيفا، فإن هزمه وجهت جيشا، فإنه هزمه خرجت في جميع قوادي وجيشي إليه حتى يحكم الله بيني وبينه.
فشغل المعتضد عن القرمطي بأمر وصيف غلام أبي الساج.
ثم توفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وما يزال يذكر أبا سعيد الجنابي في مرضه، ويتلهف ويقول: