للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم عرفة نصب المعزّ الشّمسة (١) التى عملها للكعبة على إيوان قصره، وسعتها اثنا عشر


(١) هذا نص هام وطريف، وقد ذكر طرفا منه المقريزى فى كتابه الآخر الخطط»، وقد أخطأ القائمون على نشر جميع طبعات الخطط، فقرءوا هذا اللفظ على أنه «الشمسية» لا «الشمسة»، وطبع فى جميع النشرات على أنه «الشمسية» كذلك، وهذه القراءة الخاطئة أوقعت كثيرين من الباحثين فى تاريخ الدولة الفاطمية من غربيين وشرقيين فى أخطاء متلاحقة، ففهموا الشمسية على أنها مظلة، وعلى أنها أصل لفكرة المحمل، وعلى انها نوع من الكسوة للكعبة، وعلى أنها نوع من المنسوجات الرائعة الممتازة التى كانت تصنع فى مصر الفاطمية. انظر عن هذه المحاولات والتفسيرات: (حسن ابراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية، ص ٥٨٣) و (محمد عبد العزيز مرزوق: الزخرفة المنسوجة فى الأقمشة الفاطمية، ص ٥٢ - ٥٣)
و (Quatremere،J.A.٣ e.serie،III،١٨٣٧). (M.Inostranzeff:La sortie solennelle des Khalifes Fatimides. P.XXIII،S ١٧،P.XXVIII،S ٢٠). (J.Jomier:Le Mahmal et la Caravane Egyptienne des Pelerins de la Mecque، Le Caire،١٩٥٣.P .٢٤ - ٢٦) .
وكنت قد وقعت فى نفس الخطأ فى نشرتى الأولى لهذا الكتاب، ولكننى لحسن الحظ وجدت هذه الكلمة مكتوبة فى المخطوطة الحالية لكتاب «اتعاظ الحنفا» على أنها «الشمسة» لا «الشمسية»، فوقفت عندها طويلا، وأعدت قراءة وصفها مرارا فاذا بى أجد أنها شيء مختلف كل الاختلاف عن الشمسية، وأنه لا صلة بينها وبين المنسوجات الا الأرضية المنسوجة من الديباج، وتبين لى أن «الشمسية» حلية ضخمة كانت ترسل الى الكعبة فى موسم الحج فى صحبة قائد خاص لتعلق فى وجه الكعبة، وانها تشبه الشمس، ولها اثنا عشر ذراع تشبه أشعة الشمس، وأرجح أن عدد الأشعة لم يجعل اثنى عشر عفوا بل قصدا ليمثل عدد شهور السنة، فموسم الحج يحل بعد مضى اثنى عشر شهرا أى سنة كاملة، والأهلة الموجودة فى نهاية الأشعة تمثل الشهور القمرية الهجرية.
وتبين لى من النص كذلك أن الخليفة المأمون العباسى أرسل فى عهده ياقوتة متصلة بسلسلة ذهبية لتعلق فى الكعبة، وان العباسيين سبقوا الفاطميين بارسال الشمسة، وأول من أرسلها منهم هو الخليفة المتوكل، وكان المعز أول من أعد شمسة للكعبة، وقد أراد أن يتفوق على منافسيه العباسيين فصنعها أكبر وأضخم حجما وأثمن وأغلى قيمة بدليل ما قاله (ابن ميسر: تاريخ مصر» ص ٤٤) بعد وصفه لحفلة عرض الشمسة: «ولم يبق أحد حتى دخل من أهل مصر والشام والعراق فذكروا أنهم لم يروا قط مثل الشمسية (الشمسة)، وذكر اصحاب الجوهر انه لا قيمة لها، وان شمسية (شمسة) بنى العباس مساحتها مثل ربع هذه، وكذلك كانت شمسية (شمسة) كافور التى عملها لمولاه أنوجور، وكان يسير بها الى الحرم».
ويؤكد صحة النص وصحة تفسيراتنا كذلك حقيقتان لست أدرى كيف غفل عنهما من تناولوا هذا الموضوع من قبل، أولاهما أن المراجع العربية القديمة كلها لم تعرف لفظ «الشمسية» بمعنى المظلة أبدا، وفى رأيى أن لفظ الشمسية بهذا المعنى عرفه العرب والمصريون بصفة خاصة لاول مرة فى القرن التاسع عشر ابان حركة الترجمة عن اللغات الاوربية، وأن هذا -