وليعلم من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أنا كلمات الله الأزليات، وأسماؤه التامات، وأنواره الشعشعانيات، وأعلامه النيرات، ومصابيحه البينات، وبدائعه المنشآت، وآياته الباهرات، وأقداره النافذات، لا يخرج منا أمر، ولا يخلو منا عصر.
فاستشعروا النظر فقد نقر في الناقور، وفار التنور، وأتى النذير بين يدي عذاب شديد، فمن شاء فلينظر، ومن شاء فليتدبر، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
وكتابنا هذا من فسطاط مصر، وقد جئناها على قدر مقدور، ووقت مذكور، فلا نرفع قدماً ولا نضع قدماً إلا بعلم موضوع، وحكم مجموع، وأجل معلوم، وأمر قد سبق، وقضاء قد تحقق.
فلما دخلنا وقد قدر المرجفون من أهلها أن الرجفة تنالهم، والصعقة تحل بهم، تبادروا وتعادوا شاردين، وجلوا عن الأهل والحريم والأولاد والرسوم، وإنا لنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فلم أكشف لهم خبرا، ولا قصصت لهم أثرا، ولكني أمرت بالنداء، وأذنت بالأمان، لكل باد وحاضر، ومنافق ومشاقق، وعاص ومارق، ومعاند ومسابق، ومن أظهر صفحته وأبدى لي سوءته، فاجتمع الموافق والمخالف، والباين والمنافق، فقابلت الولي بالإحسان، والمسيء بالغفران، حتى رجع الناد والشارد، وتساوى الفريقان، واتفق الجمعان، وانبسط القطوب، وزال الشحوب، جريا على العادة بالإحسان، والصفح والامتنان، والرأفة والغفران، فتكاثرت الخيرات، وانتشرت البركات.