كل ذلك بقدرة ربانية، وأمرة برهانية، فأقمت الحدود، بالبينة والشهود، في العرب والعبيد، والخاص والعام، والبادي والحاضر، بأحكام الله عز وجل وآدابه، وحقه وصوابه، فالولي آمن جذلن والعدو خائف وجل.
فأما أنت الغادر الخائن، الناكث البائن، عن هدى آبائه وأجداده، المنسلخ عن دين أسلافه وأنداده، والموقد لنار الفتنة، والخارج عن الجماعة والسنة، فلم أغفل أمرك، ولا خفي عني خبرك، ولا استتر دوني أثرك، وإني منى لبمنظر ومسمع، كما قال الله جل وعز:" إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى "، " مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيَّا ".
فعرفنا على أي رأي أصلت، وأي طريق سلكت: أما كان لك بجدك أبي سعيد أسوة، وبعمل أبي طاهر قدوة؟ أما نظرت في كتبهم وأخبارهم ولا قرأت وصاياهم وأشارهم؟ أكنت غائبا عن ديارهم وما كان من آثارهم؟ ألم تعلم أنهم كانوا عبادا لنا أولى بأس شديد، وعزم سديد، وأمر رشيد وفعل حميد، يفيض إليهم موادنا، وينشر عليهم بركاتنا، حتى ظهروا على الأعمال، ودان لهم كل أمير ووال، ولقبوا بالسادة فسادوا، منحةً منا واسما من أسمائنا، فعلت أسماؤهم، واستعلت هممهم، واشتد عزمهم، فسارت إليهم وفود الآفاق، وامتدت نحوهم الأحداق، وخضعت لهيبتهم الأعناق، وخيف منهم الفساد والعناد، وأن يكونوا لبني العباس أضداد، فعبئت الديوش، وسار إليهم كل خميس بالرجال المنتجبة، والعدد المهذبة، والعساكر الموكبة، فلم يلقهم جيش إلا كسروه، ولا رئيس إلا أسروه، ولا عسكر إلا كسروه، وألحاظنا ترمقهم، ونصرنا يلحقهم، كما قال الله جل وعز:" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا "، " وإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ "، وإن حزبنا لهم المنصورون.