للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الذى أعانهم على ذلك تشاغل الخليفة بفتنة الخوارج، وصاحب الزّنج بالبصرة، وقصريد السلطان، وخراب العراق، وتركه لتدبيره، وركوب الأعراب واللصوص بعد السبعين ومائتين بالقفر، وتلاف الرجال، وفساد البلدان، فتمكّن هؤلاء، وبسطوا أيديهم فى البلاد، وعلت كلمتهم.

وكان منهم مهرويه أحد الدعاة فى مبدأ أمره ينطر (١) النخل ويأخذ أجرته تمرا فيفرغ منه النوا ويتصدق به، ويبيع النوا ويتقوت به، فعظم فى أعين الناس قدره، وصارت له مرتبة فى الثقة والدين، فصار إلى صاحب الزّنج لما ظهر على السلطان وقال له.

«ورائى مائة ألف ضارب سيف أعينك بهم».

فلم يلتفت إلى قوله، ولم يجد فيه مطمعا، فرجع وعظم بعد ذلك فى السواد، وانقاد إليه خلق كثير، فادعى أنه من ولد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر، فقيل له:

«لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابن يقال له عبد الله».

فكفّ عن هذه الدعوى، وصار بعد ذلك فى قبة على جمل، ودعا بالسيد، وظهر بسواد الكوفة؛ وسيأتى ذكر ابنه زكرويه، وابن ابنه الحسين بن زكرويه إن شاء الله.

وكان رجل من أهل قرية جنّابة (٢) يعمل الفراء، يقال له أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنّابى (٣)، أصله من الفرس، سافر إلى سواد الكوفة، وتزوج من قوم يقال لهم: «بنو


(١) ينطر بمعنى ينظر أو يحرس، ومنها الناطور - أو الناظور - وهو ما يقام من أشباه الناس وسط الزرع لحراسته من الطير. انظر: (المعرب للجواليقى، ص ٣٣٤ - ٣٣٥)
(٢) فى الاصل: «جنابا» دون ضبط، وما هنا عن (ياقوت: معجم البلدان) حيث عرفها بقوله أنها بلدة صغيرة من سواحل فارس، ثم ذكر أنه رآها غير مرة، وانها ليست على ساحل البحر الأعظم، انما يدخل عليها فى المراكب فى خليج من البحر الملح يكون بين المدينة والبحر نحو ثلاثة أميال أو أقل، وقبالتها فى وسط البحر جزيرة خارك، وفى شمالها من جهة البصرة مهروبان .. الخ».
(٣) يوجد بالهامش فى النسختين تعريف بهذا الرجل، نصه:
«اختلف فى أبى سعيد الجنابى، فقال قوم: اسمه الحسن بن على بن محمد بن عيسى ابن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وأنه صاحب الزنج القائم بالبصرة بعد سنة خمسين ومائتين، وأن على بن محمد كان مقيما بهجر، ويعرف أنه شريف ويكرم ويعطى، ثم أنه خرج وجمع، فقاتله العريان بن ابراهيم بأرض البحرين، فانصرف الى القطيف، وبنى بأم أبى سعيد على سبيل الاستحلال، وخرج من القطيف الى الاحساء، وظهر الحمل بأم أبى سعيد، فلما ولدته سمته الحسن، وكنته بأبى سعيد، وكتمته سنة خوفا عليه، وتزوجت برجل من أهل جنابة، فنسب أبو سعيد اليه، ونشأ على أنه رجل من أهل جنابة، ينتسب الى من هو ربيب له، وقيل ما ذكر فى الأصل».