للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أتحب أن أطلقك»؟

قال: «نعم».

قال: «على أن تبلّغ عنى ما أقول صاحبك».

قال: «أفعل».

قال: «تقول له: الذى أنزل بجيشك ما أنزل بغيك، هذا بلد خارج عن يدك، غلبت عليه، وقمت به، وكان بى من الفضل ما آخذ به غيره، فما عرضت لما كان فى يدك، ولا هممت به، ولا أخفت لك سبيلا، ولا نلت أحدا من رعيتك بسوء؛ فتوجيهك إلىّ الجيوش لأى سبب؟ اعلم أنى لا أخرج عن هذا البلد، ولا توصل إليه وفى هذه العصابة التى معى روح، فاكفنى نفسك، ولا تتعرض لما ليس لك فيه فائدة، ولا تصل إلى مرادك [منه] (١) إلا ببلوغ القلوب الحناجر».

وأطلقه، وبعث معه من يرده إلى مأمنه، فوصل إلى بغداد فى شهر رمضان، وقد كان الناس يعظمون أمره ويكثرون ذكره، ويسمونه «قائد الشهداء»، فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه التحرز فاعتذر، ولم يبرح حتى رضى عنه.

وسأله عن خبره، فعرّفه جميعه، وبلّغه ما قال القرمطى، فقال:

«صدق، ما أخذ شيئا كان فى أيدينا».

وأطرق مفكرا، ثم رفع رأسه وقال:

«كذب عدو الله الكافر، المسلمون رعيتى حيث كانوا من بلاد الله، والله لئن طال بى عمرى لأشخصن بنفسى إلى البصرة وجميع غلمانى، ولأوجهن إليه جيشا كتيفا، فإن هزمه وجهت جيشا، فإن هزمه خرجت فى جميع قوادى وجيشى إليه حتى يحكم الله بينى وبينه».

فشغل المعتضد عن القرمطى بأمر وصيف غلام أبى الساج.

ثم توفى فى ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وما يزال يذكر أبا سعيد الجنابى فى مرضه، ويتلهف ويقول:


(١) ما بين الحاصرتين عن (ج).