للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«حسرة فى نفسى كنت أحب أن أبلغها قبل موتى، والله لقد كنت وضعت عند نفسى أن أركب ثم أخرج نحو البحرين، ثم لا ألقى أحدا أطول من سيفى إلا ضربت عنقه، وإنى أخاف أن يكون من هناك حوادث عظيمة».

وأقبل أبو سعيد - بعد إطلاق العباس - على جمع الخيل، وإعداد السلاح، ونسج الدروع والمغافر، واتخاذ الإبل، وإصلاح الرجال، وضرب السيوف والأسنة، واتخاذ الروايا والمزاد والقرب (١)، وتعليم الصبيان الفروسية، وطرد الأعراب من قريته، وسدّ الوجوه التى يتعرف منها أمر بلده وأحواله بالرجال، وإصلاح أراضى المزارع وأصول النخل، وإصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها، ونصب الأمناء على ذلك، وأقام العرفاء على الرجال، واحتاط على ذلك كله، حتى بلغ من تفقده أن الشاة إذا ذبحت يتسلم العرفاء اللحم ليفرقوه على من ترسم لهم، ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء، ويجز الصوف والشعر من الغنم ويفرقه على من يغزله، ثم يدفعه إلى من ينسجه عبيا وأكسية وغرائر وجوالقات، ويفتل منه حبال، ويسلم الجلد إلى الدباغ، ثم إلى خرّازى القرب والروايا، والمزاد؛ وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفا فأعمل (٢) منه، ثم يجمع ذلك كله إلى خزائن.

فكان ذلك دأبه لا يغفله، ويوجه كلّ قليل خيلا إلى ناحية البصرة، فتأخذ من وجدت، وتصير بهم إليه ويستعبدهم، فزادت بلاده، وعظمت هيبته فى صدور الناس.

وواقع بنى ضبة وقائع مشهورة فظفر بهم، وأخذ منهم خلقا، وبنى لهم حبسا عظيما جمعهم فيه، وسدّه عليهم، ومنعهم الطعام والشراب، فصاحوا فلم يغثهم، فمكثوا على ذلك شهرا، ثم فتح عليهم فوجد أكثرهم موتى، ويسيرا بحال الموتى وقد تغذوا بلحوم الموتى، فحصاهم وخلاهم فمات أكثرهم.

وكان قد أخذ من عسكر العباس خادما له جعله على طعامه وشرابه، فمكث مدة طويلة لا يرى أبا سعيد فيها مصليا صلاة واحدة، ولا يصوم فى شهر رمضان ولا فى غيره، فأضمر الخادم قتله، حتى إذا دخل الحمام معه - وكانت الحمام فى داره - فأعدّ الخادم خنجرا ماضيا


(١) (ج): «والقوت».
(٢) (ج): «عمل منه».