للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يزل ذلك دأبهم، وعين الله ترمقهم، إلى أن اختار لهم ما اختاره (١) من نقلهم من دار الفناء، إلى دار البقاء، ومن نعيم يزول إلى نعيم لا يزول، فعاشوا محمودين، وانتقلوا مفقودين، إلى روح وريحان وجنّات النعيم، فطوبى لهم وحسن مآب.

ومع هذا فما من جزيرة فى الأرض ولا إقليم إلا ولنا فيه حجج ودعاة يدعون إلينا، ويدلون علينا، ويأخذون بيعتنا، ويذكرون رجعتنا، وينشرون علمنا، وينذرون بأسنا، ويبشرون بأيامنا، بتصاريف اللغات واختلاف الألسن، وفى كل جزيرة وإقليم رجال منهم يفقهون، وعنهم يأخذون، وهو قول الله ﷿.

«وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ (٢)».

وأنت عارف بذلك.

فيا أيها الناكث الحانث ما الذى أرداك وصدّك؟

أشيء شككت فيه؛ أم أمر استربت به، أم كنت خليا من الحكمة، وخارجا عن الكلمة، فأزالك وصدّك، وعن السبيل ردّك؟ إن هى إلا فتنة لكم ومتاع إلى حين.

وأيّم لله لقد كان الأعلى لجدك، والأرفع لقدرك، والأفضل لمجدك، والأوسع لوفدك، والأنضر لعودك، والأحسن لعذرك، الكشف عن أحوال سلفك وإن خفيت عليك، والقفو لآثارهم وإن عميت لديك، لتجرى على سننهم، وتدخل فى زمرهم، وتسلك فى مذهبهم، أخذا بأمورهم فى وقتهم، وزيهم (٣) فى عصرهم، فتكون خلفا قفا سلفا بجد وعزم مؤتلف، وأمر غير مختلف.

لكن غلب الران على قلبك، والصدى على لبك، فأزالك عن الهدى، وأزاغك عن البصيرة والضيا، وأمالك عن مناهج الأولياء، وكنت من بعدهم كما قال الله ﷿:

«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» (٤).


(١) ج: «اختاره لهم ما اختاروه».
(٢) الآية ٤، السورة ١٤ (ابراهيم).
(٣) (ج) «وزمرهم».
(٤) الآية ٥٩، السورة ١٩ (مريم).