وفى مقدّمة ما يلزم الباحث بعين فاحصة إلى شخصية هذا الخليفة وفى عصره أن يدخل فى تقديره أنّ الحاكم تولّى الخلافة وسنّه لم تجاوز الحادية عشرة إلا بقليل وأنّه وضع بسبب هذه السّنّ الصغيرة تحت وصاية تنازعته فيها قوى مختلفة من رجال الجيش وأستاذى الخلافة وسيّدات القصر، فكان لهذا تأثيره فى تصرّفاته عند ما استطاع إمساك الزّمام بيده عازما على أن يكون بشخصيّته قوّة فعّالة فى إدارة شئون الدولة، متحرّرة من الضّغوط المتباينة التى كانت لا تزال تحاول أن تتجاذبه فيما بينها لتستميله إلى جانبها وتخضعه لتأثيرها. وخير مثل لمحاولته التحرّر من هذه الضغوط موقفه من أخته سلطانة ست الملك التى كانت تتدخّل من وراء ستار فى شئون الدّولة، مستعينة ببعض رجالاتها وقادتها، مما أسخط الحاكم عليها، وحمله على تهديدها وتخويفها. لكن ستّ الملك، بإصرارها على موقفها من الدولة ومن أخيها، دبّرت مؤامرة محكمة للتخلّص منه بقتله، فنجحت فى هذه المؤامرة وأجلست ابنه الظاهر من بعده على عرش الخلافة. ولم يخفف هذا الإصرار من جانب ستّ الملك على الحاكم الذى كان على علم بتصرفاتها، والذى كان يخشى على أمّه أيضا منها، يدلّ على ذلك حديثه إلى أمّه قبيل اختفائه - ومقتله - ودفعه إليها خمسمائة ألف دينار ذخيرة لها، تستعين بها على شئونها إذ أنه كان «لا يخاف عليها أضرّ من أخته».
وقد كان للثّورة العنيفة التى تزعّمها أبو ركوة (١) أثرها فى تحديد موقفه من رجاله الذين فشل بعضهم فى التغلّب عليها وفى إخماد نارها؛ وقد كلّفه القضاء على هذه الثورة ألف ألف دينار أنفقها فى الجيش وفى القادة الذين استعان بهم فى مواجهتها.
(١) بدأت هذه الثورة فى برقة، وتدخل الحاكم بنفسه فى مواجهة أخطارها إذ أوحى إلى بعض رجاله بمكاتبة زعيمها وإيهامه بأنهم يؤيدونه وسيدخلون فى طاعته إذا قدم إلى البلاد لأنهم يعانون من عسف الحاكم وبطشه، فاستجاب الثائر لهم وقدم إلى الوجه البحرى ثم إلى الجيزة، ثم إلى الفيوم حيث هزم هزيمة واضحة فلجأ إلى النوبة وهناك تم التغلب عليه.