للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعل برجوان أبا العلا، فهد بن إبراهيم [النّصرانى]؛ كاتبه، يوقّع عنه، فنظر فى قصص الرافعين وظلاماتهم، وطالعه بما يحتاج إليه، فرتّب الغلمان فى القصر وأكّد عليهم فى ملازمة الخدمة، وتفقّد أحوالهم. وأزاح علل أولياء الدولة، وتفقّد أمور الناس وأزال ضروراتهم، ومنع من التّرجّل له. وكان الناس يلقونه فى داره، فإذا تكاملوا ركب وهم بين يديه إلى القصر. ولقّب كاتبه فهد بن إبراهيم بالرئيس، فكان يخاطب بذلك ويكاتب به، ويركب أكثر الناس إلى داره حتى يخرج برجوان إلى القصر فيجلس فيه فى آخر دهاليزه، ويجلس فهد فى الدّهليز الأول يوقّع وينظر ويطالع برجوان بما يحتاج له، فيخرج الأمر بما يكون. فلم يزل الأمر على ذلك حتى انتهت مدّتهما.

وكان الحاكم يركب كلّ يوم إلى الميدان (١)، فيجلس على سريره بالطّارمة (٢) فتعرض عليه الخيل، والقرّاء بين يديه، وربما أنشده الشعراء؛ ثم ينصرف إلى القصر فيجلس برجوان وكاتبه لأخذ رقاع المتظلمين وأرباب الحاجات، فلا يزالان (٣) حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يدخلان (٤). فإذا فرغ الحاكم من غدائه ورفعت المائدة تقدّم أبو العلا فجلس بين يديه وبرجوان قائم على رأسه، حتى يقرأ جميع تلك الرقاع ويوقع عليها الحاكم فى أعلاها بما يراه، ثم يخرج بها فتفرّق كلها ويمضى بها إلى الديوان، فتنفّذ من غير مراجعة.

وكان الحاكم إذا جلس فى الطّارمة وأنشده الشعراء تناول برجوان قصائدهم فجعلها فى كمه؛


(١) كان فى مصر والقاهرة عدة ميادين منها ميادين ابن طولون، الإخشيذ، قراقوش، بركة الفيل، القصر، وغيرها ولعل المقصود هنا ميدان القصر ويقول عنه المقريزى إنه عمل عند بناء القاهرة بجوار البستان الكافورى وموضعه الآن حى الخرنشف، ولم يزل ميدانا للخلفاء الفاطميين إلى أن زالت دولتهم فتعطل. الخطط: ١٩٧:٢.
(٢) الطارمة: بيت من خشب، فارسى معرب. مختار الصحاح. وكان بالقاهرة حى يعرف باسم خط اصطبل الطارمة يحدد المقريزى موقعه بأنه بين رحبة قصر الشوك ورحبة الجامع الأزهر، ويقول: وكانت فيه طارمة يجلس الخليفة تحتها. الخطط: ٣٥:٢.
(٣) فى الأصل: فلا يزالا.
(٤) فى الأصل: ثم يدخلا.