وتركه مدة ووهب له دنانير وثيابا، وأظهر له المحبة، وتوصّل إلى أن خلا به ثم قال له:
إن علم نبأ التعيير عزيز الدولة قتلنا، وما إشفاقى على نفسى وإنما إشفاقى عليك. فقال له الصبى: فأى شيء أعمل يا مولاى؟ قال: قد عرفت محبتى لك، وإن ساعدتنى اصطنعتك وأعطيتك، وعشنا جميعا فى خفض وأمن. قال له: فارسم ما شئت حتى أفعله؛ قال:
تحلف لى حتى أقول لك؛ فاستحلفه وخدعه، ووافقه على قتل عزيز الدولة. فقال له الصبى كيف أقتله؟ قال: الليلة يشرب، وسأزيد فى سقيه حتى أسكره؛ فإذا استدعاك على الرسم لغمزه (١) ونام فقم كأنك تهريق ماء، فخذ سيفه واضربه حتى تفرغ منه. فقبل الصبى وصيّته. وكان عزيز الدولة فى الصيد؛ فلما عاد دخل الحمام وخرج منه فأكل ثم انتقل إلى مجلس الشراب؛ وحضر من جرت العادة بحضوره من ندمائه، ثم قام فى آخر وقت وقد تبين فيه السكر، والصبى بين يديه يحمل سيفه حتى وافى إلى مرقده واستلقى على فراشه؛ وأمر الغلام أن يغمزه. فلما مضى هزيع من الليل وثقل عزيز الدولة فى النوم وتحقق الصبى ذلك سلّ السيف وضربه به، وكان سيفا ماضيا، ففلق رأسه، وأتبع الضربة بأخرى فقتله. ودخل بدر وشاهده ميتا، فصاح، واستدعى غلمان الدولة وأمرهم بقتل الصبى، فقتلوه؛ وحوّط الخزائن والقلعة.
وشاع قتل عزيز الدولة؛ وكان ذلك فى ليلة السبت الرابع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة. وكتب بدر إلى السيدة بقتله، فأجابته، وأظهرت الوجد على عزيز الدولة، وشكرت بدرا على ما كان منه فى ضبط الأمر وحراسة الخزائن؛ ولقبته وفىّ الدولة، وقلدته موضع مولاه، ووهبت له جميع ما حازه.
(١) غمزه يغمزه مثل نخسه. القاموس المحيط. ولعل المقصود به ما يسمى بالتكبيس الذى يقوم به بعض الخدم أو الجوارى للسادة قبيل النوم.