أعظم الجنايات، وأكبر الكبائر، فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر من تعاطى ذلك واجترأ عليه، ثم يمده في ظهوره بمعونته، ويؤيده بنصره حتى يملك أكثر مدائن الإسلام، ويورثها بنيه من بعده، وهو تعالى يراه يستظهر بهذه النعم الجليلة على كذبه، ويفتن بمخرقته العباد، ويحدث بباطله الفتن العظيمة والحروب المبيدة في البلاد، ثم يخليه تعالى وما تولى من ذلك بباطله من غير أن يشعره شعار الكذابين، ويحل به ما من عادته تعالى أن يحل بالمفسدين، فيدمره وقومه أجمعين.
كما لا يليق بحكمته تعالى أن يخذل من دعا إلى دينه، وحمل الكافة على عبادته، ولا يؤيده على إعلاء كلمته، بل يسلمه في أيدي أعداء دينه المجاهرين بكفرهم وطغيانهم، حتى يزيدهم ذلك كفراً إلى كفرهم، وضلالاً إلى ضلالهم، فإن فعله هذا بالصادق في دعائه إليه تعالى كتأييده الكاذب فيها سواء، بل الحكمة الإلهية والعادة الربانية، وسنة الله التي قد خلت في عباده، اقتضت أنه تعالى إذا رأى الكذاب يستظهر بالمحافظة على التنمس بالباطل، ويتوصل إلى إقامة دولته بالكذب، ويحيلها بالزور في ادعائه نسبا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير صحيح، وصرفه الناس عن طاعة بني العباس الثابتة أنسابهم، المرضية سيرتهم، العادلة بزعمهم أحكامهم ومذاهبهم أن يحول بينه وبين همه بذلك، ويسلبه الأسباب التي يتمكن بها من الاحتراز، ويعرضه لما يوقعه في المهلك، ويسلك به سبيل أهل البغي والفساد.
فلما لم يفعل ذلك بعبيد الله المهدي، بل كتب تعالى له النصر على من ناوأه، والتأييد بمعونته على من خالفه وعاداه، حتى مكن له في الأرض، وجعله وبينه من بعده أئمةً، وأورثهم أكثر البسيطة، وملكهم من حد منتهى العمارة في مغرب الشمس إلى آخر ملك مصر، والشام، والحجاز، وعمان، والبحرين، واليمن، وملكهم بغداد وديار بكر مدة، ونشر دعوتهم إلى خراسان، ونصرهم على عدوهم أي نصر، تبين أن دعواهم الانتساب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيحة، وهذا دليل يجب التسليم له.
وقد روى موسى بن عقبة أن هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مما قاله له: أتراه كاذبا أو صادقا؟ قال أبو سفيان: بل هو