للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجد أعداء الوزير أبى البركات الحسين بن محمد الجرجرائى سبيلا إلى إغراء المستنصر به، وأنه تسرّع فيما عادت مضرّته على الدولة من تجهيز العساكر إلى حلب. فحركت هذه الأقوال وما يشبهها عليه ما يحقده الخليفة من استبداده بأمور من غير أمر ولا استئذان، فأمر به فقبض عليه ونقى إلى صور فى منتصف شوال، فاعتقل بصور. فكانت وزارته سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام. ثم أفرج عنه ومضى إلى دمشق (١).

وبقى الأمر فى الوزارة عدة أيام والخليفة يعرض لقاضى القضاة أبى محمد اليازورى بالوزارة وهو يمتنع عليه؛ فأسند إلى أبى الفضل صاعد بن مسعود، من الأمراء، وأقيم واسطة لا وزيرا، وخلع عليه ولقّب بعميد الملك زين الكفاة، وجعل يرسم عليه عرض ما يختص بالرّجال دون الأموال. وكان إذا أراد الاستئذان على ما يفعل جلس اليازورى بحضرة الخليفة واستدعى أبو الفضل، فعرض ما يحتاج إليه؛ فيتقدّم إليه اليازورى بما يفعله. ويخرج وفى نفسه من اليازورى ما كان يدور بينه وبين الوزراء فى معناه. فأخذ يحمّل عليه الرجال ويوهمهم أنه إذا سأل لهم فى زيادة أو ولاية يعترضه اليازورى ويفسد عليه.

فلمّا كان فى بعض الأيام قال ناصر الدولة حسن بن حسين بن حمدان لبعض ثقاته: اعلم أنّ القاضى له الثناء الجميل الكثير، ونحن شاكرون له، مقيّدون بجميله، مفتقرون


(١) يوجد بالأصل هنا طيارة لم أستطع قراءة السطر الأول منها. وقد جاء بعده: « … فوصل رسوله إلى الرملة يوم وصول رفق إليها، فبعث إلى القاهرة حتى يبلغ الرسالة، فتوقف الوزير أبو البركات الجرجرائى عن الجواب طمعا أن يملكوا حلب. فلما علم قسطنطين توجه العساكر من مصر بعث عسكرا إلى أنطاكية وعسكرا نحو أطراف حلب ولزم صالح بن ثمال مال وخلع. وخرج مقلد بن كامل بن مرداس إلى حمص وبها حسن الدولة حيدرة بن معروف القاضى وقد وليها بعد قتل جعفر بن كليد، فحصرها حتى أخذها بالأمان، وخرب السور والقلعة. ونزل على حماة وأخذها وخرب حصنها، وانتقل إلى المعرة وأخرب سورها. هذا وقد ظهر من فشل رفق ما أطمع الجند فيه، فعاثت السنابسة وهو بالرملة فى طرف العسكر وفروا، فاتبعهم به سر نفسه، فعادوا وخربوها وأسروا الأمير مرادا، فسير إليهم جعفر بن حسان بن جراح فاسترجع بعض ما نهبوه فردهم فأعرضهم رفق وعليهم أكثر .. وعاد العساكر فرحل يريد دمشق فأندب جمعا من قبائل الكلبيين والطائيين، فافترق عسكره فرقا واقتتلوا، لأربع بقين من المحرم سنة اثنتين وأربعين فى يوم الجمعة، فقتل من الكتاميين مائة رجل ونهبت الخيم. ثم عبروا من ذلك المكان ونزلوا على باب توما ثلاثة أيام وهم بغير قتال، فخاف رفق ودخل بالخدام -