فحصل لهم من الإدلال على الأفضل ما حملهم على مد أيديهم إلى أمواله وذخائره، وشاع أمرهم وكتب إلى الأفضل بسببهم، فتغير عليهم، وأخرج مختاراً إلى الولاية الغربية وخلع عليه. فلما انحدروا إليها سير صاحب بابه سيف الملك خطلخ، ويعرف بالبغل، وكان من غلمان أبيه، فقبض عليه وعلى إخوته من العشارى، وكبل بالحديد ورمى بالاعتقال؛ وأشيع أن مختاراً كاتب الفرنج؛ وجعل هذا هو العذر في القبض عليه، وأنه كان أراد قتل الأفضل.
فلما جرى لمختار وإخوته ما جرى ألزم الأفضل أبا عبد الله بن فاتك يتسلم ما كان بيد مختار من الخدمة، فتصرف فيها. وقرر له الأفضل ما كان باسم مختار من العين خاصةً دون الإقطاع، وهو مائة دينار في كل شهر وثلاثون ديناراً عن جارى الخزائن، مضافا إلى الأصناف الراتبة مياومة ومشاهرة ومسانهةً، وحسن عند الأفضل موقع خدمته، فسلم له جميع أموره، وصرفه في كل أحواله. ولما كثر الشغل عليه استعان بأخويه، أبي تراب حيدرة وأبي الفضل جعفر؛ فأطلق لهما الأفضل ما وسع به عليهما؛ ونعت الأفضل أبا محمد ابن فاتك بالقائد.
فيها فتح ديوان سمي بديوان التحقيق، تولاه أبو البركات يوحنا بن أبي الليث النصراني. وكان يتولى ديوان المجلس رجل يعرف بابن الأسقف، وكان قد كبر وضعف فتحدث ابن أبي الليث مع القائد أبي عبد الله في الدواوين والأموال والمصالح، وفاوض في ذلك الأفضل. واتفق موت ابن الأسقف، فتسلم ابن أبي الليث الدواوين واستمر فيها حتى قتل في سنة ثمان عشرة وخمسمائة.