للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان اشتهر أمرهم بسلمية، وأيسروا، وصار لهم أملاك كثيرة، فبلغ خبرهم السلطان، فبعث فى طلبهم، ففرّ سعيد من سلمية يريد المغرب، وكان على مصر يومئذ عيسى النوشرى (١)، فدخل سعيد على النوشرى ونادمه، فبلغ السلطان خبره، وكان يتقصّى عنه، فبعث إلى النوشرى بالقبض عليه، فقرئ الكتاب وفى المجلس ابن المدبّر (٢)، وكان مؤاخيا لسعيد، فبعث إليه يحذّره، فهرب سعيد، وكبس النوشرى داره فلم يوجد، وسار إلى الاسكندرية، فبعث النوشرى إلى والى الاسكندرية بالقبض على سعيد، - وكان رجلا ديلميا يقال له على بن وهسودان.

وكان سعيد خداعا، فلما قبض عليه ابن وهسودان قال:

«إنى رجل من آل رسول الله».

فرقّ له، وأخذ بعض ما كان معه وخلاّه، فسار حتى نزل سجلماسة - وهو فى زىّ


(١) عيسى النوشرى أول وال على مصر بعد زوال دولة بنى طولون، دخلها بعد ولايته من قبل الخليفة المكتفى فى جمادى الآخرة سنة ٢٩٢ هـ، ولما توفى المكتفى (ذو القعدة ٢٩٥) وتولى الخلافة المقتدر بالله أقر النوشرى على ولاية مصر، وفى عهد عيسى قدم على مصر زيادة الله بن الأغلب أمير افريقية مهزوما من أبى عبد الله الشيعى فى شهر رمضان ٢٩٦، ونزل بالجيزة وأراد الدخول الى مصر فمنعه، ووقعت بينهما مناوشات الى أن وقع الصلح بينهما على أن يعبر زيادة الله الى مصر وحده من غير جند، فدخلها وأقام بها، وقد مات عيسى بعد قليل فى شعبان ٢٩٧ وهو على امرة مصر، ودفن بها (ويقول أبو المحاسن انه نقل الى دمشق فدفن بها)، وكانت مدة ولايته على مصر خمس سنين وشهرين ونصف شهر (٢٩٢ - ٢٩٧ - ٩٠٥ - ٩١٠) انظر: (الكندى: الولاة والقضاة، ص ٥٢٨ - ٢٦٧) و (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ج ٣، ص ١٤٥ - ١٥٦) و (المقريزى: الخطط، ج ٢، ص ١٢٤ - ١٢٥).
(٢) هذا القول يبعث على الشك، لأن ابن المدبر كان واليا على خراج مصر عند ما قدم اليها أحمد بن طولون، وذلك فى سنة ٢٥٤، وقد كان بين الرجلين منافسات ومؤامرات كثيرة انتهت بعزل ابن المدبر عن خراج مصر، وتولية ابن طولون على خراجها وصلاتها، وقد كان فرار عبيد الله المهدى الى المغرب ومروره بمصر فى سنة ٢٩٥ هـ، فليس من المعقول أن يكون أحمد بن محمد بن المدبر هذا حيا حتى تلك لسنة، ولا يؤيد رواية المقريزى هنا الا أن يكون هناك فى تلك السنة ابن مدبر آخر، انظر أخبار ابن المدبر التفصيلية فى: (البلوى: سيرة أحمد بن طولون، الصفحات المذكورة فى فهرس الأعلام) و (المقريزى: والخطط، ج ٢ ص ١٠٥ - ١٠٦ و ١١٣) و (ابن تغرى بردى: النجوم، ج ٣، ص ٤٣) و (الكندى: الولاة والقضاة، ص ٢١٤).