كل منهما يدبر على الآخر. فبدأ الوزير يانس بحاشية الخليفة، فقبض على قاضي القضاة وداعي الدعاة أبي الفخر صالح بن عبد الله بن رجاء وأبي الفتوح بن قادوس فقتلهما. وبلغه شيء يكرهه عن أستاذ من خاص الخليفة، فقبض عليه من غير مشاورة الحافظ، واعتقله بخزانة البنود، وضرب عنقه من ليلته. فاستبدت الوحشة بينه وبين الحافظ، وخشى من زيادة معناه، فقال الحافظ لطبيبه: اكفني أمره بمأكل أو مشرب. فأبى الطبيب ذلك خوفا من سوء العاقبة. ويقال إن الحافظ توصل إلى أن سم يانس في ماء المستراح، فانفتح دبره واتسع حتى ما بقي بقدر على الجلوس. فقال الطبيب: يا أمير المؤمنين، قد أمكنت الفرصة وبلغت مقصودك، فلو أن مولانا عاده في هذه المرضة اكتسبت حسن الأحدوثة؛ وهذا المرض ليس دواؤه إلا السكون ولا شيء أضر عليه من الحركة والانزعاج، وهو كما يسمع بقصد مولانا تحرك واهتم بلقائه وانزعج، وفي ذلك تلاف نفسه. فقبل ذلك وجاء لعيادته. فلما رآه يانس قام للقائه وخرج عن فراشه؛ فأطال الحافظ جلوسه عنده ومحادثته، فلم يقم حتى سقطت أمعاؤه، ومات من ليلته، في سادس عشري ذي الحجة.
وكانت وزارته تسعة أشهر وأياما. وترك ولدين كفلهما الحافظ.
وكان يانس هذا قد أهداه باديس جد عباس الوزير الآتي ذكره إن شاء الله تعالى إلى الأفضل بن أمير الجيوش فترقى في الخدم إلى أن تأمر وتقدم وولى الباب، وهي أعظم رتب الأمراء، وكنى بأبي الفتح ولقب بالسعيد؛ ثم نعت في وزارته بناصر الجيوش سيف الإسلام. وكان عظيم الهمة بعيد الغور، كثير الشر، شديد الهيبة.