وفى إحسان سياستكم عزيمة حاضرة وأفعال ظاهرة. والله تعالى يمده بحسن الإرشاد، ويبلغه المراد فى مصالح العباد والبلاد، بمنّه وعونه. فاعلموا هذا من أمير المؤمنين ورسمه، وانتهوا إلى موجبه وحكمه وليعتمد الأمير متولى المعونة بمصر تلاوته على منبر الجامع العتيق بمصر ليعيه كلّ من سمعه، ويصل علم مضمونه إلى من لم يحضر قراءته، ليتحقّقوا ما ذكر فيه وأودعه؛ وليحمل النّاس على ما أمرتهم فيه، وليحذر من مجاوزته وتعدّيه. وليقرأ بالجامع المذكور ليقع التّصفّح والتأمل فى اليوم وما يليه إن شاء الله تعالى».
ثمّ أمر الخليفة بإنشاء منشور يتلى، مضمونه:
«خرج أمر أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين، بإنشاء هذا المنشور بأن يعتمد فى ديوان التحقيق والمجلس وسائر دواوين الدّولة، قاصيها ودانيها، قريبها ونائيها، إمضاء ما كان السّيّد الأجلّ الأفضل قرّره، وخرجت به توقيعاته الثابتة عليها علامته فى الأحكام والأموال بتصاريف الأحوال، إذ أمر أمير المؤمنين راض بأفعاله، محقّق لأقواله، حامد لمقاصده، ممض لأحكامه، عارف بسداد رأيه فى نقضه وإبرامه، على أوضاعها وأحكامها، وتقريراته فى كلّ منها. فليحذر كافّة الأمراء وسائر الولاة - نصرهم الله وأظفرهم - وجميع النّواب والمستخدمين، والكتّاب والمتصرّفين بجميع الأعمال من تأوّل فيه، أو تعقيد بغير شيئا من أحكامها على ما قرّره وأمر به. وليجلّد هذا المنشور فى ديوان التحقيق والمجلس بعد ثبوته فى جميع الدّواوين، وليصدر الإعلان به إلى كافة الجهات بهذا المرسوم، تثبيتا لهذا الأمر المذكور المحتوم، إن شاء الله تعالى»
وفى السّادس والعشرين من شوّال عمل تمام الشهر على تربة الأفضل، كما عملت الصّبحة والثالث. فلمّا انقضى الختم وانصرف الناس ركب الخليفة بموكبه. ونزل إلى التّربة، وترحّم عليه وعاد. ذكر هذا جمال الملك موسى بن المأمون البطائحى فى تاريخه.
وقال ابن ميسّر: وأقام الخليفة فى دور الأفضل، وفى دار الملك بمصر ودار الوزارة بالقاهرة وغيرهما مدة أربعين يوما، والكتّاب بين يديه يكتبون ما ينقل إلى القصور؛ فوجد له من الذخائر النفيسة ما لا يحصى.