للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يقبل ذلك، ففاوض المأمون فيه وقال: هذه قضيّة وجدتها وما أحدثتها وهى تسمى بالمذهب الدارج، ويقال إنّ أمير الجيوش بدر هو الذى استجدها، وهى أنّ كلّ من مات يعمل فى ميراثه على حكم مذهبه، وقد مرّ على ذلك سنون وصار أمرا مشروعا، فكيف يجوز تغييره.

فقال له الفقيه: إذا علمت ما يخلّصك من الله غيرها فلك أجرها. فقال أنا نائب الخليفة، ومذهبه ومذهب جميع الشيعة من الزّيدى، والإمامى والإسماعيلى أن الإرث جميعه للابنة خاصّة بلا عصبة ولا بيت مال، ويتمسّكون بأنه من كتاب الله كما يتمسك غيرهم، وأبو حنيفة، ، يوافقهم فى القضيّة. فقال الفقيه: أنا مع وجود العصبة فلا بدّ من عدّتها (١). فقال المأمون أنا لا أقدر أن أردّ على الجماعة مذهبهم، والخليفة لا يرى به وينقضه على من أمر به؛ بل أرى بشفاعة الفقيه أن أردّ الجميع على رأى الدّولة فيرجع كلّ أحد على حكم رأيه فى مذهبه فيما يخلصه من الله، ويبطل حكم بيت المال الذى لم يذكره الله فى كتابه ولا أمر به الرّسول . فأجاب إلى ذلك.

وأمر الوزير أن يكتب به وأن يكتب بتعويض أمناء الحكم عمّا يقتضونه من ربع العشر بتقرير جار لهم فى كل شهر من مال الدّيوان على المواريث الحشرية (٢)

وأخذ الفقيه فى ذكر بقيّة حوائج أصحابه؛ وكتب منه توقيع فرّغت منه نسخ منها ما سيّر إلى الثّغور وكبار الأعمال، وشملته العلامة الآمريّة وبعدها العلامة المأمونية.

ونسخته بعد البسملة: «خرج أمر أمير المؤمنين بإنشاء هذا المنشور عند ما طالعه السّيد الأجلّ المأمون أمير الجيوش - ونعوته والدعاء - وهو الخالصة أفعاله فى حياطة المسلمين وذو المقاصد المصروفة إلى النظر فى مصالح الدّنيا والدّين، والهمّة الموقوفة على التّرقّى إلى درجات المتّقين، والعزائم الكافلة بتشديد أحوال الكافّة أجمعين؛ شيمة خصّه الله بفضيلتها جبلّة أسعد بجلالها وشريف مزيّتها. والله سبحانه يجعل آراءه للتوفيق مقارنة، وأنحاء


(١) أى لا بد من إدخالها فى الاعتبار.
(٢) المواريث الحشرية: مال من يموت ولا وارث له بقرابة أو نكاح أو ولاء، والباقى بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق فرضه جميع المال ولا عاصب له. وما كان بحاضرة مصر من هذه المواريث يحمل إلى بيت المال، وكان كاتبه يكتب فى كل يوم تعريفا بمن يموت بمصر والقاهرة من حشرى أو أهلى ويكتب منه نسخا لديوان الوزارة ولنظر الدواوين ولمستوفى الدولة، ويسدد من وقت العصر فمن أطلق بعد العصر يضاف إلى اليوم التالى. وما كان خارج العاصمة يحصله مباشرون ويحملونه إلى دار السلطان. صبح الأعشى: ٣ - ٤٦٠؛ قوانين الدواوين: ٣١٩ - ٣٢٤.