للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمل أبو يزيد على ميمنة المنصور فهزمها، ثم حمل على القلب فوقع إليه المنصور، وقال: هذا يوم الفتح إن شاء الله تعالى.

وحمل فيمن معه حملة رجل واحد، فانهزم أبو يزيد، وأخذت السيوف أصحابه، فولوا منهزمين، وأسلموا أثقالهم، وفر أبو يزيد على وجهه، وقد قتل من أصحابه ما لا يحصى كثرة، حتى أن الذي أخذه أطفال أهل القيروان خاصة من رؤوس القتلى عشرة آلاف رأس.

وأقام المنصور يتجهز، ثم رحل أواخر ربيع الأول، فأدرك أبا يزيد، ففر منه فتبعه، وصار كلما قصد أبو يزيد موضعا يتحصن فيه يسبقه المنصور إليه، واستأمن بعض أصحابه فأمنه المنصور، واستمر الهرب بأبي يزيد حتى وصل إلى جبل البربر وأهله على مذهبه، وسلك الرمال، فاجتمع معه خلق كثير، وواقع عسكره المنصور، فهزم الميمنة، وحمل عليه المنصور بنفسه فانهزم، وتبعه المنصور إلى جبال وعرة، وأودية عميقة خشنة الأرض، فمنعت الأدلاء المنصور من سلوك تلك الأرض، وقالوا إنه لم يسلكها جيش قط.

واشتد الأمر على عسكر المنصور، فبلغ عليق كل دابة دينارا ونصفا، وبلغت قربة الماء دينارا، هذا وما وراء ذلك رمال وقفار وبلاد السودان التي ليس فيها عمارة، وقيل للمنصور: إن أبا يزيد اختار الموت جوعا وعطشا على القتل بالسيف.

فلما سمع المنصور ذلك رجع إلى بلاد صنهاجة، فاتصل به الأمير زيرى بن مناد الصنهاجي، بعساكر صنهاجة، فأكرمه المنصور، وأتته الأخبار بموضع أبي يزيد من الرمال.

ونزل بالمنصور مرض شديد أشفى منه، فلما أفاق من مرضه رحل إلى المسيلة ثاني رجب، فإذا أبو يزيد قد سبقه إليها لما سمع بمرض المنصور وهو يحاصرها، فلما علم بالمنصور هرب منه يريد بلاد السودان، فخدعه بنو كملان هم وهوارة ومنعوه من ذلك، وأصعدوه إلى جبال كتامة وغيرهم فتحصن بها، واجتمع إليه أهلها، وصاروا ينزلون ويتخطفون الناس، فسار المنصور عاشر شعبان إليه، فلم ينزل أبو يزيد، فلما أخذ المنصور في العود، نزل أبو يزيد إلى ساقة العسكر، فرجع المنصور، ووقعت الحرب، فانهزم أبو يزيد، وأسلم أصحابه وأولاده، وأدركه فارسان فعقرا فرسه، فسقط عنه، فأركبه بعض أصحابه،

<<  <  ج: ص:  >  >>