وأتت هتافات الناس إلى رضوان؛ فاستدعى الحافظ أحد مقدّمى السّودان سرّا وقال له:
إنى بكم واثق. فقال: ما ادّخرنا هذا إلاّ لمولانا. فقال: كم أصحابك؟ قال: عشرة.
قال: لكم عشرة آلاف دينار واقتلوا هذا الخارجىّ علينا وعليكم، فأنتم تعلمون إحساننا إليه وإساءته إلينا. فقالوا: يا مولانا السمع والطاعة. ورتّبوا أنهم يصيحون حول الجامع الأقمر: الحافظ يا منصور. فلمّا فعلوا ذلك قلق وقال لمن حوله: ما كلّ مرة يصحّ لهؤلاء الكلاب مرادهم. فحسّنوا له الرّكوب ظنّا منهم أنه إذا ركب إلى بين القصرين لم يجسر أحد عليه. فعند ما ركب ضربه واحد من السّودان فى فخذه ضربة شديدة، وتداركه آخر بضربة، وتوالت عليه الضّربات؛ فقتل فى الساعة الحادية عشرة من نهار الجمعة المذكور؛ وقطعت رأسه وحملت إلى الخليفة الحافظ. فسكنت الفتنة، وهدأت الغوغاء.
ثم إن الحافظ بعث بالرّأس إلى امرأة رضوان، فلمّا وضعت فى حجرها قالت: هكذا يكون الرّجال.
وكان رضوان سنّيّا حسن الاعتقاد، شجاعا، مقداما، قوىّ الغلب، شديد البأس.
ولد ليلة عيد الغدير من ذى الحجة (١) سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وترقّى فى الخدم إلى أن ولى قوص وإخميم فى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. إلاّ أنّه كان مع حسن عبارته وغزارة أدبه طائش العقل قليل الثبات، لا يحسن التّدبير، ولا يتأتّى له سياسة الأمور لعجلته وجرأته؛ وكان أخوه الأوحد أثبت عقلا منه.
ومن جملة ما كتب له فى تقليد الوزارة بعد بهرام من إنشاء أبى القاسم ابن الصيرفى:
« … لأنّك أذهبت عن الدّولة عارها، وأمطت من طرق الهداية أوعارها، واستعدت ملابس سيادة كان قد دنّسها من استعارها».
ولم يستوزر الحافظ بعد رضوان أحدا؛ وأعاد النّصرانى المعروف بالأخرم إلى ضمان الدولة، على ما تقدّم، ثم نقم عليه لكثرة المرافعين واعتقله، وطلب منه المال فلم يسمح بشئ.
فركب الحافظ يوما ووقف على باب السّجن الذى هو فيه من القصر، وأمر به، فأحضر إليه. وقال له: كم تتجالد؟ أريد منك مالى على لسان صاحب السّتر. فبينا الخليفة
(١) يجرى الاحتفال بعيد الغدير فى الثامن عشر من شهر ذى الحجة فى كل عام.