للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الّذى اتفق منه فى حسن بن الحافظ بعد موته ما تقدّم ذكره (١)؛ فلمّا سيّر إليه مائة دينار، نفقته، تجهّز للسفر فى جملة النّاس، وسلّمت الخريطة لأميرهم. فلمّا دخلوا على الحافظ ليودّعوه ويدعو لهم بالنّصر والسّلامة على العادة، قضوا حقّ الخلافة وانصرفوا إلاّ جلب راغب فإنه وقف؛ فقال الحافظ: قولوا للأمير ما وقوفك دون أصحابك، ألك حاجة؟ فقال:

يأمرنى مولانا بالكلام. قال: قل. فقال؛ يا مولانا ليس على وجه الأرض خليفة ابن بنت رسول الله، ، غيرك؛ وقد كان السّلطان استزلّنى فسفهت نفسى وأذنبت ذنبا عظيما عفو مولانا أوسع منه وأعظم. فقال له الحافظ: قل ما تريد غير هذا فإنّا غير مؤاخذيك به. فقال: يا مولانا قد توهمّت أنك تحقّقت أنى ماض فى حالة السخط، وقد آليت على نفسى أن أبذلها فى الجهاد فلعلّى أموت شهيدا، قد صنع ذلك سخط مولانا علىّ. فقال له الحافظ: انته (٢) عن هذا الكلام، وقد قلنا لك إنا ما واخذناك، فأى شيء تقصد؟ فقال: لا يسيّرنى مولانا تبعا لغيرى، فقد صرت مرارا كثيرة مقدّما، وأخشى أن يظنّ أن هذا التأخير للذّنب الذى أنا متعرّف. قال: لا، بل مقدّما وصاحب الخريطة.

وأمر بنقل الحال عن المقدّم الذى تقرّر للتقدّم والخريطة إلى جلب راغب، وأعطى مائتى دينار وقال: له استعن بهذه. فعدّ هذا من الحلم الّذى ما سمع بمثله.

وكان الغالب على أخلاقه الحلم. وكان مقدم المطالبين يجئ إلى الخليفة الحافظ ويخبره بغرائب ما يظهر؛ فجاء يوما وأخبر أنه وجد حوضا لطيفا قريبا من معلف الجمال، فلم يتعرّض له. فندب الخليفة معه شاهدين حتى أتوا به، فإذا حوض مطبق بغطاء كشف عنه فإذا فيه صنم من رخام أبيض على هيئة الإنسان وهو واضع إصبعا فى فيه وإصبعا أخرى فى دبره فأمر الحافظ أحد الشاهدين أن يناوله ذلك؛ فلمّا أخذ الصّنم ضرط ضرطة عظيمة، فألقاه من يده وقد اشتدّ خجله. فقام موفّق، أحد الأستاذين المحنّكين، ليناوله إيّاه فضرط أيضا. فأمر الحافظ بتركه وعلم أنه طلسم القولنج.

ووجد فى مقطع الرخام سرب تحت الأرض فيه حبوة ممدودة أحضرت إلى الأستاذ مفضل،


(١) دخل هذا الأمير إلى الحجرة التى سجى بها الأمير حسن بعد تناول الشراب المسموم ليتأكد من موته فوخزه بسكينه فى مواضع من جسده.
(٢) فى الأصل: انتهى.