للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هو أمير؛ فبلغ ابن السّلار أنّهم قد تحالفوا وتعاقدوا على أن يهجموا عليه وهو فى داره ليلا ويقتلوه. فلمّا كان فى سادس عشرى رمضان أغلق القاهرة والقصور وأحاط بصبيان الخاصّ وقتلهم؛ وفرّ منهم عدّة، فكتب إلى الولاة بقتل من ظفر به منهم. وأخذ يتبعهم حتى أتى على أكثرهم.

وأصل هذه الطائفة التى كانت تعرف بصبيان الخاصّ أنّ من مات من الأمراء والأجناد وعبيد الدولة وله ولد فإنه يحمل إلى حضرة الخليفة ويودع فى أماكن مخصوصة ويؤخذ فى تعليمه أنواع الفروسيّة من الرّمى وغيره؛ ويقال لهم صبيان الخاصّ.

وأخذ ابن السّلار فى الاحتفال بأمر عسقلان وسدّ خللها، وحمل إليها من الغلال والأسلحة شيئا كثيرا.

وولىّ عضد الخلافة ناصر الدّين نصر بن عبّاس ربيبه مصر بشفاعة جدّته أم عبّاس، وكان فيه جرأة، فاستدناه الخليفة الظّافر وقرّبه واختصّ به.

وفيها قتل الموفّق أبو الكرم محمد بن معصوم التنّيسى فى يوم الجمعة الرابع من شوال وكان يتولّى نظر الدّيوان. وذلك أنّ ابن السّلار لمّا كان فى بداية أمره من جملة الصّبيان الحجريّة (١) دخل يوما على الموفّق بن معصوم برسالة وأعادها عليه مرارا وأغلظ له فى القول فنفرت منه نفس ابن معصوم. فكتب له مرّة منشور بإقطاع وجاء به إلى ابن معصوم ليثبته. فلمّا رآه تغافل عنه وأهمل أمره إهانة له وكراهة فيه؛ فقال له ابن السّلار وقد تكرّر سؤاله وهو يعرض عنه: ما تسمع؟ فقال له الموفّق: كلامك ما يدخل فى أذنى أصلا. فولىّ ابن السّلار وخرج من غير أن يكتب له. وصرف الدّهر ضرباته، وصار ابن السّلار وزيرا وابن معصوم ناظر الدّواوين؛ فلمّا دخل عليه قال له: يا قاضى، ما أظنّ كلامى يدخل أذنك، فتلجلج (٢) وقال: عفو السلطان. فقال: قد استعملت العفو بخروجى


(١) وهم الذين ورد ذكرهم فى المتن قبل بضعة أسطر باسم صبيان الخاص. ذلك أن هؤلاء الصبيان الصغار كانوا يقيمون فى حجر خاصة بهم، يفرد لكل منهم حجرة ويكونون فى خدمة الخليفة متى احتاج إليهم، ويعدون إعدادا خاصا لهذه الخدمات ومن بين ما يهتمون بمعرفته أعمال الفروسية.
(٢) اللجلجة والتلجلج التردد فى الكلام، وفعله تلجلج لازم، وتلجلج داره منه أخذها، القاموس المحيط.