للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن طريف ما وقع فى هذا اليوم أن الوزير عبّاسا لمّا أراد الدّخول إلى المجلس وجد بابه قد قفل من داخل، وكان متولى فتح المجلس وغلقه أستاذ شيخ يقال له أمين الملك، فاحتالوا فى الباب حتى فتحوه ودخلوا، فإذا أمين الملك خلف الباب وهو ميّت وفى يده المفتاح.

وفى أثناء ذلك حضر الخادم الذى أفلت من نصر إلى القصر وحدّثهم بكيفية قتلة الظّافر، فكثرت النّياحة عليه بالقصور. وظنّ عبّاس أنّ الأمر قد استقام له، فجاء خلاف ما أمّل. وأخذ أهل القصور فى إعمال الحيلة عليه؛ وكان الأمراء والسّودان قد نافروه واستوحشوا منه لما فعله بأولاد الحافظ، وأضمروا له العداوة والبغضاء. فاختلفت عليه الكلمة، وهاجت الفتنة، وصار العسكر أحزابا ولبسوا السّلاح. فخرج إليهم عبّاس فى يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول، فكانت بينه وبينهم محاربة انكسروا فيها منه، وقتل منهم جماعة.

هذا وأهل القصر فى تدبير العمل عليه، فبعثت عمّة؟؟؟ الفائز إلى فارس المسلمين أبى الغارات طلائع بن رزّيك، وكان واليا على الأشمونين (١) والبهنسا (٢)، بالكتب وفى طيّها


= - الأمراء الذين استحلفهم بألا يخونوه، فأمر فشدت دوابه وأوقفت على باب داره وصارت سدا بينه وبين المصريين بحيث لا يصلون إليه لازدحام الدروب، فخرج إليهم غلامه عنبر الكبير، وهو زمامهم، وصاح عليهم وسبهم وقال روحوا إلى بيوتكم وبيتوا الدواب، ومضى الركابية والمكارية والحمالون وبقيت الدواب مهملة فوقع فيها النهب. وكانت الأتراك عند باب النصر والكتاب تنفق فيهم، فبعث إليهم عباس الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ ليحضرهم، وهم ثمانمائة فارس، فركبوا كلهم وخرجوا من باب القاهرة منهزمين عن القتال، وركب المماليك، وهم أكثر من الأتراك، وخرجوا أيضا من باب النصر وعاد أسامة إلى عباس وعرفه ذلك. فاشتغل كل أحد بإخراج أهله، وخرجت خدم عباس وقد نهبت تلك الدواب بأجمعها وخلت الطريق ورجعت عساكر المصريين وأخرجوا عباسا ومن معه وهم فى قلة والمصريون فى كثرة. فلما خرج عباس من باب النصر أغلق المصريون أبواب القاهرة وعادوا إلى دور عباس وأصحابه فنهبوها، وتجمعت قبائل العربان الذين استحلفهم عباس وقاتلوا عباسا خارج باب النصر من ضحى يوم الجمعة المذكور إلى يوم الخميس العشرين منه وسار وهم يقاتلونه النهار كله فإذا جن الليل اغفلوا حتى ينام - يركبون فى مائة فارس ويرفعون أصواتهم بالصياح فيأخذون الخيل ويأسرون الرجال. فلما كان يوم الأحد ثالث عشر صحبهم الفرنج فى جمعهم على .... فقتلوا عباسا وابنه حسام الملك وأسروا ابنه ناصر الدين وأخذوا خدامه وحرسه وقتلوا من ظفروا به، وأسروا نجم الدولة أبا عبد الله محمد بن منقذ، وفر أسامة فى طائفة إلى دمشق وهم فى أسوأ حال، ودخلوها يوم الجمعة خامس ربيع الآخر من سنة خمس وأربعين وخمسمائة». اهـ.
(١) ولاية الأشمونين والطحاوية بالوجه القبلى، جنوب ولاية البهنسا، وكانت عملا واسعا كثير الزرع متقارب القرى؛ وقاعدة الولاية مدينة الأشمونين، بضم الهمزة وسكون الشين وضم الميم، بالشاطئ الغربى للنيل، وهى الآن أطلال تجاورها قرية الأشمونين إحدى قرى مركز ملوى بمحافظة أسيوط، وكانت هذه الولاية فى الأصل عملين أحدهما عمل الأشمونين والثانى عمل طحا المدينة، بفتح الطاء والحاء، ثم صارا عملا واحدا. صبح الأعشى: ٣٧٨:٣، ٣٩٤ - ٣٩٥؛ النجوم الزاهرة: ١٩٦:٣؛ قوانين الدواوين: ١٠٥ - ١٠٧.
(٢) ولاية البهنسا، أو البهنسى، أو البهنساوية: تلى ولاية الجيزة، أو الجيزية، من الجنوب، ويليها ولاية الأشمونين، وقاعدتها مدينة البهنسا بالبر الغربى من النيل على بحر يوسف تحت الجبل. صبح الأعشى: ٣٧٨:٣، ٣٩٣؛ قوانين الدواوين: ١٠٤ - ١٠٥.