وأنه باق على ما تقرر معه بقاء شمس الخلافة وأشار على شاور بالاحتراز وقال إن الرجل مخاتل. وأنفذت الكتب إلى نور الدين.
وكان شاور قد شرع في بناء سور على مدينة مصر واستعمل فيه الناس فلم يبق أحد من المصريين إلا وعمل فيه؛ وحفر من ورائه خندقاً، فلم يكمل من ناحية النيل. وعمل في السور ثمانية أبواب أحدها بدار النحاس على ساحل البحر، هدم في سنة وخمسين وستمائة وآخر بجانب كوم البواصين، وثالث على سكة سوق وردان سقط سنة إحدى وستين وستمائة، وباب في طريق زين العابدين، وباب عرف بباب الصفاء، وباب بحري مصلي الأموات سقط قبيل سنة خمسين وستمائة، وباب عند أقمنة الجير مما يلي درب السرية، وباب لقنطرة بني وائل وتحته قنطرة بني وائل التي تصب في بركة الشعيبية، التي كانت قديماً بستان الأمير تميم بن المعز، وكان الماء يدخل إليها من خليج مصر.
وسار مري بعقيب مسير شمس الخلافة عنه يريد منازلة القاهرة بعد ما أقام ببلبيس خمسة أيام، فداخل الناس منه رعب شديد وخوف عظيم، فاجتمعوا بالقاهرة ووطنوا أنفسهم على الموت. وكان هذا من لطف الله فإنه لو قدر أن الفرنج أحسنوا السيرة في أهل بلبيس لكان الناس لا يدافعونهم عن القاهرة ألبتة لما في قلوبهم من كراهة شاور. فما هو إلا أن قصد مري القاهرة وإذا بشاور قد قام في حريق مصر، وأمر شاور الناس بالانتقال منها إلى القاهرة، وحثهم على الخروج منها. فتركوا أموالهم وأثقالهم ونجوا بأنفسهم وأولادهم وحرمهم؛ وقد ماج الناس واضطربوا اضطراباً عظيماً.