ووقعت النار في الأسطول فخرج العبيد إلى مصر وقد انطلقت النار في مساكنها فانتهبوا سائر ما كان بمصر. وبلغ بالناس الحال أن كانت الدابة تكري من مصر إلى القاهرة ببضعة عشر ديناراً والجمل بثلاثين ديناراً. ونزلوا بمساجد القاهرة وحماماتها، وملأوا جميع الشوارع والأزقة، وصاروا مطروحين بعيالهم وأولادهم على الطرق وقد ذهبت أموالهم وسلبت عامة أحوالهم؛ وهم مع ذلك ينتظرون هجوم الفرنج على القاهرة وقتل رجالها وسبي من بها من الحريم والصبيان.
وكان ابتداء الحريق بمصر في يوم الثلاثاء التاسع من صفر الموافق له ثامن عشر هاتور؛ واستمرت النار في المساكن أربعة وخمسين يوماً، والنهابة تهد ما هنالك وتحفر لطلب الخبايا.
ونزل مري بعساكره على بركة الحبش في يوم الأربعاء العاشر من صفر، فخرج إليه شمس الخلافة. فلما دخل إليه سأله أن يخرج معه إلى باب الخيمة، فخرج؛ فأراه شمس الخلافة جهة مصر وقال له أترى دخاناً في السماء؟ قال: نعم. قال: هذا دخان مصر ما أتيتك إلا وقد احترقت بعشرين ألف قارورة نفط وفرق فيها عشرة آلاف مشعل، وما بقي فيها ما يؤمل بقاؤه ونفعه؛ فخل الآن عنك. فقال مري: لا بد من النزول على القاهرة ومعي فرنج من هذا البحر قد طمعوا في أخذها.
ثم رحل فنزل على القاهرة في عاشر صفر مما يلي باب البرقية نزولاً قارب به البلد حتى صارت سهام الجرخ تقع في خيمه. وقاتل أهل القاهرة قتالاً شديداً وحفظوها