وبذلوا جهدهم. واشتد الفرنج في محاصرة القاهرة وضيقوا على أهلها حتى تزلزل الناس زلزالاً شديداً وضعفت قواهم، وشاور هو القائم بتدبير الأمور، فتبين له العجز عن مقاومة الفرنج وأنه يضعف عن ردهم. وخاف من غلبتهم فرجع عن مقاومتهم إلى مخادعتهم وإعمال الحيلة؛ فأرسل شمس الخلافة إلى مري يطلب منه الصلح على أن يحمل إليه أربعمائة ألف دينار معجلة. فأجاب إلى ذلك. ويقال إنه خوفه من نور الدين واعتذر بأنه لولا الخوف من العاضد ومن معه من المسلمين وإلا سلمه البلد؛ وإنه تقدم له بألف ألف دينار. فتقرر الصلح.
على أن مري قال لا أسمع من كلام شاور فإنه غدار، ولا بد من كلام الخليفة العاضد. فمشى أبو الفتح عبد الجبار بن عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي، المعروف بالجليس قاضي القضاة وداعي الدعاة، ومعه الأستاذ صنيعة الملك جوهر، بين الفرنج وبين الناس حتى تقرر الأمر على تعجيل مائة ألف دينار وحمل الباقي بعد ذلك مع القطيعة المقررة كل سنة، وزيادة عشرة آلاف دينار وعشرة آلاف إردب غلة على ما يقترح من أصنافها. فأرسل العاضد القاضي الفاضل عبد الرحيم إلى الشيخ الموفق ابن الخلال كاتب الدست، وكان مريضاً والفاضل ينوب عنه بتعيين الكامل بن شاور، وقال له: استشره في هذا الأمر. فمضى الفاضل إليه، وعرض ما تقرر عليه، وبلغه عن العاضد ما أشار به من أخذ رأيه في ذلك. فقال: قبل الأرض عني لمولانا وقل له عن مملوكه إن وعد المشتري وصبر البائع فليست بعالية، وبين قيل وقال يتصرم الوقت.
وشرع شاور في حمل المال، فلم يجد في حاصل الخبايا بالقصر سوى مائتي ألف دينار مدفونة في أحد كمي المجلس من ذخائر الحافظ، أطلعهم عليها أستاذ من أستاذي القصر؛ فأخرجت وحمل إلى الفرنج منها على يد ابن عبد القوي مائة ألف دينار، فأخذوها بعد امتناع. ووقع الطلب من أهل القاهرة ومصر، فلم يتحصل من الناس إلا نحو الخمسة