خامس عشرى جمادى الأولى، يخبر فيها بوصول شاور وأسد الدّين شيركوة ومعهما من الأتراك خلق كثير؛ فانزعج وتأهّب لتسيير العسكر. وأصبح النّاس يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادى الأولى وقد شاع ذلك بينهم، فخافوا على أنفسهم وأموالهم وانتقلوا من مكان إلى مكان على عادتهم وجمعوا عندهم الأقوات والماء.
وخرج الأمير ناصر المسلمين همام بالعساكر أوّل يوم من جمادى الآخرة، وهم نحو ستة آلاف فارس بالخيول المسرجة والدّروع الثمينة والسّلاح العجيب، وقد أعجبوا بأنفسهم واطمأنّوا بأنهم ظافرون. فوصلوا إلى بلبيس يوم الأحد ثانيه، فوافاهم شاور بالعسكر الشامى يوم الاثنين، فباتوا ليلة الثّلاثاء، وأصبحوا وقد توهّم منهم أسد الدّين شيركوه وقال لشاور: يا هذا لقد غررتنا وقلت إنّه ليس بمصر عساكر حتى جئنا بهذه الشّرذمة. فقال: لا يهولنّك ما تشاهد من هذه الجموع فأكثرها حاكة وفلاّحون يجمعهم الطّبل وتفرّقهم العصا؛ فما ظنك بهم إذا حمى الوطيس وكلبت الحرب. وأمّا الأمراء فإنّ كتبهم وعهودهم معى؛ وسترى إذا التقينا، لكنّى أريد منك أن تأمر العساكر بالاستعداد.
فلمّا ترتّبوا نهاهم عن القتال، فتحرّك المصريّون وتأهّبوا وأقاموا حتى حمى النّهار، فسخن عليهم الحديد ولم يروا أحدا يسير إليهم فنزلوا عن خيولهم وأقاموا الخيم، وألقى بعضهم السّلاح. فلمّا عاين ذلك شاور أمر بالحملة عليهم، فثار المصريّون وحمل ناصر المسلمين همام والأمير فارس المسلمين على العسكر الشّامى؛ فجرح همام والتفت فلم ير أحدا من عسكره، فكان أشجعهم من يصير على ظهر فرسه. وانهزموا بأجمعهم إلى بلبيس، وغنم العسكر الشّامى جميع ما كان معهم، فقووا به، وتبعوهم وأسروا منهم جماعة الأمراء وغيرهم، ثم منّوا عليهم وسيّروهم فى جمعهم.
ولحق الأمير همام بالقاهرة سحر يوم الأربعاء خامسه وهو مجروح، واختفى الأمير حسام فى مدينة بلبيس فدلّ عليه بعض الكنانيّة فأسر وقيد.