للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستقرّ الأمر بينه وبين الفرنج أن يكون لهم بالقاهرة شحنة (١)؛ وأن تكون أسوارها (٢) بيد فرسانهم ليمتنع نور الدّين من إرسال عسكر إليها؛ وأن يكون لهم من دخل ديار مصر فى كلّ سنة مائة ألف دينار. قرّر لهم شاور ذلك من غير علم العاضد ولا مشاورته، فإنه كان ممنوعا من التصرّف وشاور يستبدّ بأمور الدّولة. فرحل الفرنج إلى بلادهم وتركوا بالقاهرة عدّة من مشاهير فرسانهم، ورتّبوا بها ابن بارزانى واليا.

ووصل شيركوه إلى دمشق فى ثامن عشر ذى القعدة وفى نفسه من مصر ما لا ينفصل، لأنّه خبر متحصّلها، وعرف بلادها واستخفّ بأهلها.

واستقرّ شحنة الفرنج أوّلا بالقاهرة فى الموضع المعروف اليوم بقصر بيسرى من الخرنشف (٣). وبعث الكامل شجاع بن شاور إلى نور الدّين مع بعض الأمراء ينهى محبّته وولاءه، ويسأل الدّخول فى طاعته، وضمن له عن نفسه أنّه يفعل هذا ويجمع الكلمة على طاعته، وبذل له ما لا يحمله إليه كلّ سنة، فأجابه، وحمل إلى نور الدين مالا جزيلا.

وأخذ شاور بعد عوده من الإسكندرية فى الإكثار من سفك الدّماء بغير حقّ، فكان يأمر بضرب الرّقاب بين يديه فى قاعة البستان من دار الوزارة ثمّ تسحب القتلى إلى خارج الدّار (٤). واشتدّ ظلم إخوته وأولاده وغلمانه ومن يلوذ به، وكثر تضرّر النّاس بهم. فكان


(١) الشحنة فى الأصل ما يقدم للدواب من العلف الذى يكفيها يومها وليلتها، ثم صارت رمزا لما يوضع فى البلد من رجال الأمن لضبطها وحمايتها، ومن ثم كانت كلمة الشحنكية اصطلاحا يطلق على رئاسة الشرطة، أى لتولى قيادتها، ويسمى متوليها صاحب الشحنة. القاموس المحيط؛ وكذلك: Dozy;Supp،Dict.ar . . والمقصود هنا جماعة الفرنج التى تقرر بين شاور ومرى أن تحمى مصر خوف عود شيركوه ورجال نور الدين إليها.
(٢) فى كتاب الروضتين: ٣٦٦:١؛ وكذلك فى الكامل: ١٢٢:١١: وأن تكون أبوابها بيد فرسانهم.
(٣) وبيسرى هذا هو الأمير شمس الدين الصالحى النجمى أحد مماليك الصالح نجم الدين أيوب. ترقى فى الخدمة حتى صار من كبار قادة الظاهر بيبرس، وكانت الدار البيسرية بخط بين القصرين من القاهرة فى أواخر عهد الفاطميين، وخصصت حينئذ لمن يجلس فيها من الفرنج لقبض الأموال عند ما تقرر الأمر معهم على أن يحمل نصف ما يتحصل من مال البلد إليهم. ولما كانت أيام الظاهر بيبرس عمر مملوكه بيسرى هذه الدار وبالغ فى الصرف عليها، فلامه بيبرس لذلك، فقال: إنما فعلت ذلك ليصل خبرها إلى العدو ويقال بعض مماليك السلطان غرم عليها مالا عظيما. فاستحسن ذلك منه. وخط الخرنشف بين حارة برجوان والبستان الكافورى، ويتوصل إليه من بين القصرين من قبو يعرف بقبو الخرنشف، وهو موقع باب التبانين قديما. وإنما سمى الخرنشف لأن المعز كان أول من بنى به الإصطبلات بالخرنشف وهو ما يتحجر مما يوقد به على مياه الحمامات وغيرها. المواعظ والاعتبار: ٢٧:٢ - ٢٨، ٦٩ - ٧٠؛ صبح الأعشى: ٣٥٢:٣
(٤) النكت العصرية: ٨٧ - ٨٨. وفى ذلك يقول عمارة: فسألنى الجماعة أن أعمل قصيدة فى هذا المعنى فقلت:
ألا إن حد السيف لم يبق خاطرا … من الناس إلا حائرا يتردد
-