للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أن انهزم عماد الدين زنكى من العراق (١) من قراجا الساقى ووصل إلى تكريت، فأمكنه أيّوب من قلعتها ورفعه إليها بالحبال، وخدمه هو وأخوه شيركوه، فاعتدّها يدا لهما.

ثم أقام له السّفن حتّى عبر دجلة؛ وتبعه أصحابه فأحسن إليهم وسيّرهم إليه.

فبلغ ذلك الأمير مجاهد الدّين بهروز فأنكر عليه وأخرجه من قلعة تكريت، فسار هو وشيركوه إلى عماد الدّين زنكى، وهو يومئذ صاحب الموصل، فأكرمهما وأقطعهما إقطاعا، وتقدّما عنده. فلمّا ملك بعلبك (٢) جعل نجم الدّين دزدارها، فأقام بها إلى أن قتل عماد الدّين زنكى (٣) وحصر عسكر دمشق بعلبك لأخذها لصاحب دمشق، مجير الدّين أبق بن محمّد بن بورى بن ظهير الدّين طغتكين الأتابك. فبعث إلى سيف الدّين غازى بن عماد الدّين زنكى بالموصل يعرّفه ويطلب منه عسكرا فلم يجبه (٤)؛ فسلّم بعلبك لصاحب دمشق على إقطاع، وصار أحد أمراء دمشق.

وأما شيركوه فإنه لمّا خدم عماد الدّين زنكى تمكّن منه، بواسطة الوزير جمال الدّين الأصفهانى (٥)، إلى أن قتل، فتعلّق بخدمة ابنه نور الدّين محمود بن زنكى وتخصّص


(١) فى سنة ست وعشرين وخمسمائة فى حرب بينه وبين الخليفة العباسى المسترشد بالله، وكان يعاون زنكى فى هذه الحرب دبيس بن صدقة وهما بدورهما كانا مؤيدين للسلطان السلجوقى سنجر معز الدين أبى الحارث ضد السلطان مسعود صاحب العراق.
(٢) فى ذى الحجة من سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وكانت من أعمال دمشق التى قتل صاحبها شهاب الدين محمود ابن بورى بأيدى ثلاثة من خدامه فى شوال من هذه السنة وتولى أمرها من بعده أخوه جمال الدين محمد بن بورى، واستغاثت أم السلطان بزنكى ليثأر من قتلة ابنها شهاب الدين فتقدم فى اتجاه بعلبك واستولى عليها لنفسه. ذيل تاريخ دمشق: ٢٦٧ - ٢٧٠؛ الكامل: ٢٦:١١ - ٢٧.
(٣) فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهو على حصار قلعة جعبر، قتله بعض خدمه فى فراشه.
(٤) كانت بعلبك داخلة فى نطاق أعمال نور الدين محمود أخى سيف الدين غازى صاحب الموصل، ولهذا لم يتقدم غازى لمعونة نجم الدين أيوب، ولم ينجد نور الدين محمود بعلبك لأن سياسته عندئذ كانت تقضى بمحاولة التعاون مع دمشق على مواجهة الفرنج، ولهذا رأى التضحية ببعلبك لتكون عربونا لهذا التعاون.
(٥) يفرد أبو شامة فصلا فى كتابه للحديث عن «وزير الموصل جمال الدين، الجواد الممدح». واسمه جمال الدين أبو جعفر محمد بن على بن أبى منصور تلقى ثقافته الأولى على يدى العزيز عم العماد الكاتب، وترقى بمعونته فى الخدمة فاتصل بالسلطان السلجوقى محمود بن ملكشاه، ثم اتصل بعماد الدين زنكى الذى استعان به فى أعماله وجعله مشرفا على ديوانه، ثم قام مقام الوزير لابنه سيف الدين غازى الذى تولى الموصل بعد مقتل أبيه، وعرف جمال الدين بالكرم وحب الخير والقناعة، واتصل به كثير من الشعراء ومدحوه ومنهم عماد الدين الأصفهانى، وأبو الفوارس سعد بن محمد الصفى المعروف بحيص بيص، وأحمد بن منير الطرابلسى، والعرقلة الدمشقى، وأبو المجد القسيم الحموى. توفى جمال الدين سنة تسع وخمسين