للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به، حتى عظمت منزلته عنده. وصار معه إلى حلب فأقطعه وأنعم عليه، ثم أعطاه مدينة الرّحبة وتدمر إلى أن جهّزه إلى مصر وعاد منها وهو كثير الذّكر لها، فخافه نور الدّين وصرفه عنه وأعطاه مدينة حمص (١)، وجعله مقدّم عسكره إلى أن قدم مصر وملكها - - كما تقدّم - إلى أن مات؛ فدفن بالقاهرة، ثم نقل منها إلى المدينة النبويّة بعد مدّة (٢).

ولمّا احتضر قال: من ههنا؟ فقال الطّواشى بهاء الدّين قراقوس: عبدك قراقوش.

فقال: بارك الله فيك، الحمد لله الّذى بلغنا من هذه الدّيار ما أردنا، ومتنا وأهلها راضون عنّا. أوصيكم لا تفارقوا سور القاهرة حتّى تطير رءوسكم، واحذروا من التّفريط فى الأسطول.

ولمّا توفى أسد الدّين افترق أهل القصر وحواشى الخليفة العاضد من الأستاذين وغيرهم فرقتين. فأما إحداهما - وكبيرهم الأستاذ صنيعة الملك مؤتمن الخلافة جوهر (٣) - فإنهم قالوا قد مات أسد الدّين المهدّد به فى الشرق والغرب ولم يحدث إلا خير، ومن الرأى أن نمسك مخلّفته ونضيف إليها من جياد فرسان الغزّ ما تكون جملته ثلاثة آلاف فارس، ونقدّم عليهم بهاء الدّين قراقواش، وننزلهم بالشرقية، ونجعلها بأجمعها إقطاعا لهم يسكنون بها، فيصيرون بيننا وبين الفرنج الذين طمعوا فى البلاد، يقاتلون عن حرمهم


= وخمسمائة، ودفن بالموصل سنة، ثم نقل إلى المدينة المنورة حيث دفن بها كرغبته فى رباط أنشأه بها، بينه وبين مسجد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، خمس عشرة ذراعا. وفى أثناء نقل تابوته إلى المدينة المنورة مر به فى مدينة الحلة فإذا شاب قد ارتفع على موضع عال وأنشد:
سرى نعشه فوق الرقاب، وطالما … سرى بره فوق الركاب ونائله
يمر على الوادى، فتثنى رماله … عليه، وفى النادى فتبكى أرامله
كتاب الروضتين: ٣٤٣:١ - ٣٥٦.
(١) فى الأصل: مصر
(٢) ودفن مع جمال الدين وزير الموصل (انظر الحاشية الأخيرة فى الصفحة السابقة) باتفاق تم بينهما؛ وعن هذا يتحدث جمال الدين فيقول: «إن بينى وبين أسد الدين شيركوه عهدا: من مات منا قبل صاحبه حمله الحى إلى المدينة النبوية». وقد نفذ أسد الدين تعهده، فنقل جمال الدين من الموصل إلى المدينة، ثم نقل هو إلى المدينة بعد أن دفن فى داره بالقاهرة مدة. كتاب الروضتين: ٣٤٩:١؛ وفيات الأعيان: ٢٢٧:١ - ٢٢٨. واختلف فى سبب وفاته، فقيل إنه مات فجأة وقيل بعلة الخوانيق (بسبب ابتلاعه قطعة من اللحم الذى كان يحبه كثيرا)، وقيل بل دس له السم. نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) وهو خصى من الأستاذين المحتكين بالقصر الفاطمى، وكان يتولى زمام القصر وإليه الإشراف الكامل عليه. وقد برهن مؤتمن الخلافة هذا بسلوكه فيما بعد على إصراره على تحقيق هدفه فى التخلص من صلاح الدين والجيش النورى بأجمعه. وسيرد تفصيل ذلك فى موضعه.