للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال له: هذا صلاح الدّين ابن أختك، وعزّه وملكه لك، وقد استقام له الأمر، فلا تكن أوّل من يسعى فى إخراجه عنه ولا يصل إليك. وما زال بهم حتّى مالوا إليه وأطاعوا بأجمعهم إلاّ عين الدّولة فإنه قال لا أخدم يوسف أبدا، وخرج من القاهرة بجماعة وصار إلى نور الدّين بالشّام (١).

فلمّا بلغ نور الدّين استيلاء صلاح الدّين أقام ثلاثة أيّام لا يقدر أحد أن يراه من شدّة ما عظم عليه ذلك وأغضبه.

واستمال صلاح الدّين قلوب النّاس، وساس الأمور وكاتب الأطراف، وأقبل على الجدّ، وتاب عن الخمر، وأعرض عن اللهو، وتقرّب إلى الخليفة العاضد بما يرضيه فأحبّه وأدناه حتّى كان يدخله إليه القصر راكبا ويقيم عنده بالقصر عدّة أيام. وعظم فى الدّولة حتّى حسده الأمراء وباينه جماعة منهم وتوجّهوا إلى الشّام. وشرع فى استمالة قلوب النّاس إليه فبذل فيهم المال وأخرج ما كان فى خزائن عمّه أسد الدّين؛ واستدعى من العاضد فأمدّه بشئ كثير من المال، فكان أمره فى زيادة وقوّة وأمر العامّة فى نقص وضعف.

وركب العاضد ومعه الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف فى غرّة شهر رمضان، وحمل العادل أبو بكر السّيف. ثم ركب أيضا جمعتين فى شهر رمضان إلى الجامع الأزهر والجامع الأنور (٢) على العادة، وركب فى عيد الفطر.

وأرسل إلى نور الدّين يسأله فى إرسال أبيه وأخيه فلم يجبه إلى ذلك (٣).


(١) ويزيد أبو شامة: «فأنكر عليهم فراقه». نفس المصدر.
(٢) هو جامع الحاكم.
(٣) يذكر ابن الأثير، وهو معروف بميله عن صلاح الدين وأسرته، أن صلاح الدين أرسل «يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته وأهله، فأرسلهم إليه وشرط عليهم طاعته والقيام بأمره ومساعدته». ويقيد أبو شامة هذا الرفض بقوله: «فلم يجبه (نور الدين) إلى ذلك وقال: أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد.» ثم يعقب بأن الفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى دمياط فأرسل نور الدين العساكر إلى مصر وفيهم إخوة صلاح الدين «منهم شمس الدولة تورانشاه، وهو أكبر من صلاح الدين، وقال له: إن كنت تسير إلى مصر وتنظر إلى أخيك أنه يوسف الذى كان يقوم فى خدمتك وأنت قاعد فلا تسر، فإنك تفسد البلاد، وأحضرك حينئذ وأعاقبك بما تستحقه، وإن كنت تنظر إليه أنه صاحب مصر وقائم فيها مقامى، وتخدمه بنفسك كما تخدمنى فسر إليه واشدد أزره، وساعده على ما هو بصدده». الكامل: ١٢٩:١١؛ كتاب الروضتين: ٤٠٨:١؛ مفرج الكروب؛ ١٧٤:١.