للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ... الآية: قَضى، في هذه الآية: هي بمعنى أمر وألزم وأوجب عليكم وهكذا قال الناس، وأقول: إن المعنى وقَضَى ربك أمره، فالمقضِيُّ هنا هو الأمْرُ، وفي مصحفِ ابن مسعود «١» : «وَوَصَّى رَبُّكَ» ، وهي قراءة ابن عباس وغيره، والضمير في تَعْبُدُوا لجميع الخلق وعلى هذا التأويل مضى السلفُ والجمهور، ويحتمل أنْ يكون قَضى على مشهورها في الكلامِ، ويكون الضمير في تَعْبُدُوا للمؤمنين من الناس إِلى يوم القيامة.

وقوله: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ معنى اللفظة أنها اسمُ فعل كأن الذي يريد أن يقول:

أَضْجَرُ أو أتقذَّرُ أو أكْرَه، ونحوَ هذا، يعبِّر إيجازاً بهذه اللفظة، فتعطي معنى الفعْل المذكورِ، وإذا كان النهْيُ عن التأفيفِ فما فوقه من باب أحَرى، وهذا هو مفهومُ الخِطَابِ الذي المسكُوتُ عنه حُكْمُهُ حكْمُ المذكور.

قال ص: وقرأ الجمهور الذُّلِّ بضم الذال، وهو ضد العِزِّ، وقرأ ابن عباس «٢» وغيره بكسرها، وهو الانقيادُ ضدُّ الصعوبة انتهى، وباقي الآية بيِّن.

قال ابن الحاجب في «منتهى الوُصول» ، وهو المختصَرُ الكَبِير: المفهومُ ما دَلَّ عليه اللفظُ في غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْق، وهو: مفهوم موافقة، ومفهومُ مخالفة، فالأول: أنْ يكون حُكْمُ المفهومِ موافقاً للمنطوق في الحُكْم، ويسمَّى فَحْوَى الخطابِ، ولَحْنَ الخِطَابِ، كتحريم الضَّرْبِ من قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وكالجَزَاء/ بما فَوْقَ المِثْقالِ من قوله تعالى:


(١) وقال ابن عباس: إنما التصقت الواو بالصاد.
ينظر: «مختصر شواذ ابن خالويه» ص: (٧٩) ، و «الكشاف» (٢/ ٦٥٧) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٤٧) ، وزاد نسبتها إلى النخعي، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران، وأبي بن كعب.
وينظر: «البحر المحيط» (٦/ ٢٣) .
(٢) وقرأ بها سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والجحدري، وحماد الأسدي، عن أبي بكر رضي الله عنه، ورويت عن عاصم بن أبي النجود.
قال أبو الفتح: الذل في الدابة: ضد الصعوبة، والذّل في الإنسان، وهو ضد العز.
ينظر: «المحتسب» (٢/ ١٨) ، و «الشواذ» ص: (٧٩) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٤٩) ، و «البحر المحيط» (٦/ ٢٦) ، و «الدر المصون» (٤/ ٣٨٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>