للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفهوم الغاية «١» ، مثل: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠] .


و «نشر البنود» للشنقيطي (١/ ٩٨) .
(١) «مفهوم الغاية» : هو ما يفهم من تقييد الحكم بأداة غاية ك «إلى» ، و «حتى» ، وغاية الشيء آخره، وذلك كما في قوله عزّ وجلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ
[البقرة: ٢٢٢] ، فمنطوق الآية تحريم قربان النساء مدة زمان الحيض، وقبل الغسل، وتدل بمفهومها المخالف على جواز القربان منهن بعد انقضاء زمان الحيض، والاغتسال- وقوله تعالى:
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠] ، فمنطوقه أن عدم حلّ المطلقة ثلاثا لمطلّقها- مغيا بنكاح الزوج الآخر، ومفهومه المخالف أنها تحل له بعد نكاح الزّوج الآخر لها بشرطه- وقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا زكاة في مال، حتّى يحول عليه الحول» فالمنطوق عدم وجوب الزكاة في المال قبل حولان الحول عليه، والمفهوم المخالف وجوب الزكاة في المال بعد حولان الحول عليه- وقوله عزّ وجلّ: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: ١٨٧] فإنه يفهم منه عدم وجوب الصيام في الليل.
واختلف الأصوليون في حجية مفهوم الغاية، وبعبارة أخرى في القول به إثباتا، ونفيا- على مذهبين:
«المذهب الأول» : أنه حجّة، بمعنى أن تقييد الحكم بالغاية يدل على انتفاء ذلك الحكم عما بعدها وإليه ذهب جميع القائلين بمفهوم الصفة والشرط، وبعض من لم يقل بهما كحجة الإسلام الغزالي، وعبد الجبار المعتزلي، والإمام أبي الحسين البصري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وبعض الأصوليين من الحنفية.
وفي هذا يقول سليم الرازي: لم يختلف أهل العراق في ذلك.
وقال القاضي في «التّقريب» : صار معظم نفاة دليل الخطاب إلى أن التقييد بحرف الغاية يدل على انتفاء الحكم عما وراء الغاية.
قال: ولهذا أجمعوا على تسميتها غاية.
«المذهب الثاني» : أنّه ليس حجّة، بمعنى أن تقييد الحكم بالغاية لا يدل على انتفاء الحكم عما بعدها، بل هو مسكوت عنه غير متعرّض له بنفي أو إثبات وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، واختاره سيف الدين الآمدي طردا لباب المنع من العمل بالمفاهيم.
هذا حاصل في حجية مفهوم الغاية، وقد اتضح لك أنه مفروض فيما وراء الغاية لا في الغاية نفسها وذهب بعضهم إلى أنه مفروض في الغاية نفسها بمعنى أن تقييد الحكم بالغاية، هل يدلّ على انتفاء ذلك الحكم في الغاية نفسها أو لا يدلّ؟ - فالذي يقول بمفهومها، يقول بانتفاء الحكم فيها، ومن لا فلا، وهو مردود لتصريح أكثر العلماء، لا سيما المحققين منهم أن النزاع هنا إنما هو فيما بعد الغاية لا في الغاية نفسها، نعم في الغاية خلاف أيضا، ولكنه خلاف آخر:
وحاصل هذا الخلاف: هل الغاية داخلة في حكم المغيا أو خارجة عنه؟ وهو خلاف لا دخل له في هذا المقام فإن الكلام هنا في دلالة المخالفة وعدمها، والخلاف هناك في الدخول والخروج، وأين أحدهما من الآخر؟! فإنه على التقدير الثاني لا يستلزم المخالفة فإن الخروج أعم من أن يدل على المخالفة، أو يكون مسكوتا عنه بخلاف الأول، وهو ظاهر، على أنا إن قلنا: بخروج الغاية عن المغيّا يأتي خلاف المفهوم فيها أيضا، وبالجملة فهما خلافان متغايران: [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>