للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ... الآية، تَجافَى الجنبُ عن موضِعِه إذا تَرَكه، قال الزجاج وغيره: التَّجافِي التَّنَحِّي إلى فوق.

قال ع «١» : وهذا قول حسن، والجنوبُ جَمْعُ جَنْبٍ، والمضاجِعُ مَوْضِع الاضْطجَاع للنوم.

ت: وقال الهرَوِيُّ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ أي: ترتفعُ وتَتَباعَدُ، والجَفاء بَيْن النَّاسِ هُو التَّبَاعُدُ، انتهى. وَرَوَى البُخَاري بسنَدِهِ عن أبي هريرة أن عَبدَ الله بن رَوَاحَةَ- رَضِيَ الله عنه- قَالَ: [الطويل]

وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتلُو كِتَابَه ... إذَا انشق مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانَا الهدى بَعْدَ العمى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إذَا استثقلت بِالْكَافِرِينَ المَضَاجِعُ

انتهى. وجمهور المفسرين: على أن المرادَ بهذا التجافي صلاةُ النوافلِ بالليلِ.

قال ع «٢» : وعلى هذا التأويل أكثَرُ الناسِ، وهو الذي فيه المدحُ وفيه أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلّم يَذكر عليه السلام قِيامَ الليل ثم يستشهدُ بالآية ففي حديثِ معاذٍ «أَلاَ أَدُلُّكَ على أبواب الخير: الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم قَرَأ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ/، حتّى بلغ يَعْمَلُونَ» رواه ٧٠ أالترمذيّ «٣» ، وقال: حديث حسن صحيح ورَجَّحَ الزَّجَاجُ «٤» ما قاله الجمهور بأنهم:

جُوزُوا بإخفاءٍ، فَدَلَّ ذلك على أن العَمَلَ إخْفَاءٌ أيضاً، وهو قيامُ الليل يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً أي: من عذابه وَطَمَعاً، أي: في ثوابه.


(١) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٦٢) .
(٢) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٦٢) .
(٣) أخرجه الترمذيّ (٥/ ١١- ١٢) كتاب الإيمان: باب ما جاء في حرمة الصلاة، حديث (٢٦١٦) ، وابن ماجه (٢/ ١٣١٤- ١٣١٥) كتاب الفتن: باب كف اللسان في الفتنة، حديث (٣٩٧٣) ، والنسائي في «التفسير» (٤١٤) ، وأحمد (٥/ ٢٣١) ، والحاكم (٢/ ٧٦، ٤١٢) ، والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ١٣٠- ١٣١) رقم (٢٦٦) من طرق عن ابن مسعود.
وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٣٧) ، وزاد نسبته إلى ابن نصر في «كتاب الصلاة» ، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» .
(٤) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (٤/ ٢٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>