للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَرَبِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي «أحْكَامِهِ» وَعِبَارَةُ الدَّاوُوديِّ: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ:

اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً، وَقَالَ: ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ: العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرُ والغنى، وذِكْرُ الله تعالى/ في السرّ والعلانية» «١» ٧٨ ب قَال القُرْطُبِي «٢» الشُّكْرُ تَقْوَى اللهِ وَالعَمَلُ بِطَاعَتِهِ. انتهى.

قالَ ثابتٌ: رُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ إلاَّ وَإنْسَانٌ مِنْ آل دَاودَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَتَنَاوَبُونَ دَائِماً «٣» ، وَكانَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلاَم- فيما رُوِيَ- يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ أَهْلَه الخُشْكَارَ، ويُطْعِمُ المسَاكِينَ الدَّرْمَكَ «٤» ، وَرُوِيَ أَنَّه مَا شبِعَ قَطٍّ، فقيلَ له في ذلك فقال: أخَافُ إنْ شَبِعْتُ أَنْ أنْسَى الجِياعَ.

وقَولُه تَعَالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ يُحْتَمَلُ: أنْ تَكونَ مخَاطَبَةً لآلِ دَاوُدَ، ويحتمل: أنْ تكونَ مخاطبةً لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم وَعَلَى كُلٍّ وَجْهٍ فَفِيهَا تَحْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ، قال ابنُ عَطَاءِ اللهِ فِي «الحِكَم» : مَنْ لَمْ يَشْكُر النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها.

وقَالَ صَاحِبُ «الكَلِمِ الفَارِقية» : لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ الصَّنَائِعِ وَسُرْعَةِ استرجاع الوَدَائِعِ، وَقَالَ أيْضاً: يَا مَيِّتاً نُشِرَ مِنْ قَبْرِ العَدَمْ، بحُكْمِ الجُودِ والكَرَمِ، لاَ تَنْسَ سَوَالِفَ العُهُودِ والذِّمَمِ، اذكُرْ عَهْدَ الإيجَادِ، وَذِمَّةَ الإحْسَانِ والإرْفَادِ، وَحَالَ الإصْدَارِ والإيرَادِ، وفاتحة المَبْدَإِ وَخَاتِمَةَ المَعَادِ، وَقَالَ- رحمه الله-: يَا دَائِمَ الغَفْلَةِ عَنْ عَظَمَةِ رَبِّه، أيْن النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِه، والتَّفَكُّرُ فِي غَرَائِبِ حِكْمَتِهِ، أيْنَ شُكْرُ مَا أَفَاضَ عَلَيْكَ مِنْ مَلاَبِسِ إحْسَانِه ونِعَمِهِ، يَا ذَا الفِطْنَةِ، اغْتَنِمْ نِعْمَةَ المُهْلَة، وَفُرْصَةَ المُكْنَةِ، وَخِلْسَةَ السَّلاَمَةِ، قَبْلَ حُلُولِ الحَسْرَةِ والنّدامة. انتهى.


(١) ينظر: الحديث السابق.
(٢) ينظر: «القرطبي» (٤/ ١٧٧) .
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣/ ٥٥٢) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤١٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٥٢٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٣٠) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وأحمد في «الزهد» ، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ثابت البناني.
(٤) الدّرمك: هو الدقيق الحوّاري.
ينظر: «النهاية» (٢/ ١١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>