للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مالك «١» - رحمه اللَّه-: يأكل المضطَرُّ شِبَعَهُ، وفي «الموطّإ» وهو لكثير من ٤٢ ب العلماءِ أنه يتزوَّد، إِذا خشي الضرورة فيما بين يديه/ من مفازةٍ وقَفْرٍ.

قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «٢» ، وقد قال العلماء: إِنَّ من اضطرَّ إلى أكل الميتةِ، والدمِ، ولحمِ الخنزيرِ، فلم يأكلْ، دخل النَّار إِلا أنْ يَغْفِرَ اللَّه له. انتهى. والمعنى: أنه لم يأكلْ حتى مات جوعاً، فهو عاصٍ، وكأنه قتل نفسه، وقد قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ... [النساء: ٢٩] الآية إِلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً [النساء: ٣٠] قال ابن العربيِّ: وإذا دامتِ المَخْمَصة «٣» ، فلا خلاف في جواز شبع المضطَرِّ، وإن كانت نادرةً، ففي شبعه قوْلانِ: أحدهما لمالك: يأكل حتى يَشْبَعَ، ويتضلَّع، وقال غيره: يأكل بمقدارِ سدّ الرّمق، وبه قال ابن حبيب «٤» ،


أجل معلوم» على خلاف قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك» الدال على حرمة بيع المعدوم. للحاجة إلى هذا النوع من المعاملة. وإن شئت فارجع إلى كتب الفروع لتقف على حكمة مشرعية السلم.
الرابع: خلاف الأولى، كالفطر في نهار رمضان (للمسافر الذي لا يتأذى بالصوم) المشروع بقوله تعالى:
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: ١٨٤] على خلاف قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥] دفعا للمشقة. وكان خلاف الأولى لقوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ١٨٤] .
ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (١/ ٣٢٥- ٣٢٦) ، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (١/ ١٢٢) ، «التمهيد» ، للأسنوي (٧٠) ، «نهاية السول» له (١/ ١٢٠) ، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٩٣) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (١٩) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ١٧٩) ، «المستصفى» للغزالي (١/ ٩٨) ، «حاشية البناني» (١/ ١١٩- ١٢٣) ، «الإبهاج» لابن السبكي (١/ ٨١) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (١/ ١٨٥) .
(١) أخرجه الطبري (٢/ ٩١- ٩٢) بإسنادين عن مجاهد. وسعيد بن منصور في سننه (٢/ ٦٤٥) برقم (٢٤٣) وذكره ابن عطية (١/ ٢٤٠) .
(٢) ينظر: «الأحكام» (١/ ٥٦) . [.....]
(٣) المخمصة: مفعلة من الخمص، وهو ضمور البطن، ومنه: رجل خامص، وخمصان البطن، وامرأة خمصانة، ولما كان الجوع يؤدي إلى ضمور البطن عبّر به عنه: أي فمن اضطر في مجاعة.
ينظر: «عمدة الحفاظ» (١/ ٦١٧) .
لأن الضرورة تقدر بقدرها، فأكل الميتة محظور، ولكن إبقاء مهجة الإنسان عند المخمصة ضرورة، وليست أقل من المحظور، فيباح المحظور لأجل الضرورة، فعليه الأكل لإبقاء روحه، فلو لم تبح الضرورات المحظورات لما تحقق الضرر، والضرر يزال.
(٤) ابن حبيب: هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب، كان إماما في الحديث، والفقه، واللغة، والنحو، انتهت إليه رئاسة العلم في الأندلس، ولد في «ألبيرة» ، وسكن «قرطبة» ، وتفقه بابن الماجشون، ومطرف، وعبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم، له مؤلفات تزيد على ألف كتاب، أشهرها:
«الواضحة» ، توفي عام ٢٣٨ هـ، وقيل ٢٣٩ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>