للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكّرهم سبحانه بحالِ ضلالهم ليظهر قدر إِنعامه عليهم.

وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ، أي: من قبل الهدى.

وقوله سبحانه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ المخاطب بهذه الآيةِ قريشٌ، ومن وَلَدَتْ، قاله ابن عبَّاس وغيره «١» ، وذلك أنهم كانوا لا يخرجُونَ من الحَرَم، ويَقِفُون بجَمْعٍ، ويفيضون منْه، مع معرفته أنَّ عرفة هي موقفُ إِبراهيم، فقِيلَ لهم: أفيضُوا من حيثُ أفاضَ النَّاس، أي: من عرفة، و «ثُمَّ» ليست في هذه الآية للترتيبِ، إِنما هي لعطف جملة كلامٍ على جملة هي منها منقطعةٌ.

وقال الضَّحَّاك: المخاطب بالآيةِ جملةُ الأمَّة، والمرادُ بالناسِ إبراهيم، ويحتملُ أن تكون إِفاضةً أخرى، وهي التي من المزدلفة «٢» ، وعلى هذا عوَّل الطَبريُّ «٣» ، فتكون «ثُمَّ» على بابها، وقرأ سعيدُ بن جُبَيْر: «النَّاسِي» «٤» ، وتأوَّله آدم- عليه السلام-، وأمر عز وجل بالاستغفار لأنها مواطنه، ومظَانُّ القبولِ، ومساقطُ الرحْمَةِ، وفي الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خَطَب عشيَّة عَرَفَةَ، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنِكُمْ وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، إِلاَّ التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، أَفِيضُوا عَلَى اسم اللَّهِ» ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ جَمْعٍ، خَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ، فَعَوَّضَ التّبعات من عنده» «٥» .


(١) أخرجه الطبري في «التفسير» (٢/ ٣٠٧) ، وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (١/ ١٧٥) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٥) .
(٢) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٥) .
(٣) الطبري لم يصرح بموافقته لتأويل الضحاك، وإنما احترز بوجود الإجماع على خلافه، ولولا الإجماع لقال بقوله. ينظر: «جامع البيان» (٤/ ١٩٠- ١٩١) .
(٤) واستدل بها أبو الفتح على أن لام التعريف تدخل على الأعلام للذم كما تدخلها للمدح، فمن الأول قولهم: فلان بن الصّعق لأن ذلك داء ناله، فهى بلوى. ومن الثاني: المظفر، والعباس ونحوهما.
ينظر: «المحتسب» (١/ ١١٩) ، و «الشواذ» (ص ٢٠) ، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦) ، و «البحر المحيط» (٢/ ١٠٩) ، و «الدر المصون» (١/ ٤٩٧) .
(٥) ذكر ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٢١٥) أحاديث بهذا المعنى عن أنس، وابن عمر، وعبادة.
وقال: ليس في هذه الأحاديث شيء يصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>