للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ خاوِيَةٌ في موضع الحالِ من فَاعِلِ «مرّ» أو من «قرية» وعَلى عُرُوشِها: قيل:

على بابِهَا، والمعنى: خاويةٌ من أهلها، ثابتةٌ على عروشها، والبُيُوت قائمةٌ، والمَجْرور على هذا يتعلَّق بمحذوفٍ، وهو ثابتةٌ، وقيل: يتعلَّق ب «خَاوِيَة» والمعنى: وقعتْ جُدُرَاتُهَا على سقوفها بعْد سُقُوط السقوفِ. انتهى، وقد زدنا هذا المعنى وضوحاً في سورة الكهف، واللَّه الموفِّق بفضله.

وقوله: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها: ظاهر اللفظ السؤَالُ عن إِحياءِ القَرْيَة بعمارةٍ أو سُكَّانٍ، فكأنَّ هذا تلهُّفٌ من الواقِفِ المعتبر على مدينة أحبَّته، ويحتمل أنْ يكونَ سؤاله إِنما كانَ عن إِحياء الموتى، فضرب له المَثَل في نَفْسه، وحكى الطبريُّ «١» عن بعضهم أنَّ هذا القَوْلَ منه شك في قدرة اللَّه على الإِحياء قال ع «٢» : والصواب ألاَّ يتأول في الآية شكٌّ، وروي في قصص هذه الآية أنَّ بني إِسرائيل، لَمَّا أحدثوا الأحدَاثَ، بعث اللَّه عليهم بُخْتَ نَصَّرَ، فقتَلَهُم، وجَلاَهم من بْيتِ المَقْدِسِ، وخرَّبه، فلَمَّا ذهب عنه، جاء عُزَيْرٌ أَوْ أزمِيَّا، فوقَف على المدينة معتبراً، فقال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فأماته اللَّه تعالى، وكان معه حمارٌ قد رَبَطَهُ بحَبْلٍ جديدٍ، وكان معه سَلَّة فيها تِينٌ هو طعامه، وقيل: تِينٌ وعِنَبٌ، وكانتْ معه رِكْوة «٣» من خَمْر، وقيل: من عصيرٍ، وقيل: قُلَّة من ماءٍ هي شرابُهُ، وبقي ميتاً مائةَ عامٍ، فروي أنَّه بَلِيَ، وتفرَّقت عظامه هو وحمارُهُ، وروي أنَّ الحمار بَلِيَ، وتفرَّقت أوصاله، دون عُزَيْرٍ.

وقوله تعالى: ثُمَّ بَعَثَهُ: معناه: أحياه، فسأله اللَّه تعالى بوسَاطَةِ المَلَكِ، كَمْ لَبِثْتَ على جهة التقرير، فقال: لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قال ابن جُرَيْج، وقتادة، والربيع: أماته اللَّه غدوة يَوْمٍ، ثم بعثه قُرْبَ الغروبِ، فظنَّ هو اليومَ واحداً، فقال: لَبِثْتُ يوماً، ثم رأى بَقِيَّةً مِن الشمْسِ، فَخَشِيَ أنْ يكون كاذباً، فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فقيل له:

بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ «٤» .

وقوله تعالى: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، أي: لم يتغيّر.


(١) ذكره الطبري (٣/ ٣٣) .
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ٣٤٨) .
(٣) الرّكوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه. والجمع ركوات، وركاء. ينظر: «لسان العرب» (١٧٢٢) .
(٤) أخرجه الطبري عن ابن جريج، قتادة، الربيع (٣/ ٣٨) بأرقام (٥٩١٥) ، (٥٩١٦) ، (٥٩١٧) ، (٥٩١٨) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٩) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن قتادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>