قال البغوي في «شرح السنة» (١/ ١٢٤) : حكي عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال: لم يشك النبي، ولا إبراهيم (صلوات الله عليهما) في أن الله قادر على أن يحيي الموتى، وإنما شكّا أن يجيبهما إلى ما سألاه، ومما يؤيد هذا الذي ذكره المزني ما روي عن ابن عباس في قوله عز وجل: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك. قال أبو سليمان الخطّابي: ليس في قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم، لكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك أنا، ولم أرتب في قدرة الله (عز وجل) على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك ولا يرتاب، وقال ذلك على سبيل التواضع، والهضم من النفس، وفيه الإعلام أن المسألة من قبل إبراهيم لم تعرض من جهة شك، لكن من قبل زيادة العلم فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال، وقوله: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أي: بيقين النظر. (١) أخرجه مسلم (١/ ١١٩) : كتاب «الإيمان» ، باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها، حديث (٢١١/ ١٣٣) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ، كما في «تحفة الإشراف» (٧/ ١٠٧) ، وأبو عوانة (١/ ٧٩) ، وابن حبان (١٤٩- الإحسان) ، وابن منده في «الإيمان» (٣٤٧) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢/ ٢٥١) والبغوي في «شرح السنة» (١/ ١٢٠- بتحقيقنا) . وكلهم من طريق إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الرجل يجد الشيء، لو خر من السماء فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن يتكلم به؟ قال: ذلك محض، أو صريح الإيمان. اهـ. وقال ابن حبان: إذا وجد المسلم في قلبه، أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها- من كيفية الباري جل وعلا، أو ما يشبه هذه، فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصريح، وترك العزم على شيء منها- كان رده إياها من الإيمان، لا أن خطرات مثلها من الإيمان. وقال البغوي: قال أبو سليمان الخطابي: قوله صلّى الله عليه وسلم: «ذلك صريح الإيمان» معناه أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم، والتصديق به، وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله، فكيف يكون إيمانا صريحا.