للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِيمان فقَطْ، فكيف بمرتبة النبوَّة والخُلَّة، والأنبياءُ معصومون من الكبائرِ، ومن الصغائرِ التي فيها رذيلةٌ إِجماعاً، وإِذا تأمَّلت سؤاله- عليه السلام- وسائِرَ ألفاظ الآيةِ، لم تعط شكًّا، وذلك أنَّ الاستفهام ب «كَيْفَ» ، إِنما هو عن حالِ شيء موجودٍ، ومتقرّر الوجودِ عند السائل والمسئول نحو قولكَ: كَيْفَ عِلْمُ زَيْدٍ، وَكَيْفَ نَسْجُ الثَّوْبِ؟ ف «كَيْفَ» في هذه الآية إِنما هي استفهامٌ عن هيئة الإِحياء، والإِحياءُ متقرِّر، ولما وجدنا بعض المنكرين لوجودِ شيْء قد يعبَّر عن إِنكاره بالاستفهام عن حالةٍ لذلك الشيء، يعلم أنها لا تصحّ، فنيلزم من ذلك أنَّ الشيْءَ في نفْسه لا يصحُّ مثال ذلك: أنْ يقولَ مدَّعٍ: أنا أرفَعُ هذا الجَبَلَ، فيقول المكذِّب: كَيْفَ ترفعه، فهذه طريقة مجازٍ في العبارة، ومَعْنَاها: تسليمٌ جدليٌّ كأنه يقول: افرض أنَّك ترفعه، أَرِنِي كيف، فلمّا كان في عبارة الخليل صلّى الله عليه وسلم هذا الاشتراكُ المجازيُّ، خَلَّصَ اللَّه سبحانه ذلك/، وحمَلَهُ على أنْ يبيّن الحقيقةَ، فقال له: ٦٧ ب أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى فكمل الأمر، وتخلَّص من كلِّ شك، ثم علَّل- عليه السلام- سؤاله بالطّمأنينة.

ت: قال الداوديّ: وعن ابن جُبَيْر: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ بالخُلَّة «١» ، قال مجاهدٌ، والنَّخَعِيُّ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أي: أزداد إِيماناً إِلى إِيماني «٢» ، وعن قتادة: لأزداد يقيناً «٣» . انتهى.

قال ع «٤» : وقوله تعالى: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ معناه: إِيماناً مطلقاً دخل فيه فصْل إِحياء الموتى، والواو: واو حالٍ دخَلَتْ عليها ألِفُ التقريرِ، وقال ص: الهمزة في أَوَلَمْ تُؤْمِنْ للتقرير كقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] وكقوله [الوافر] :

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا «٥» ...


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٥٠) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٥٢) .
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٥٢) ، برقم (٥٩٨٤) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٣٤) ، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٥٣) .
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٥٢) برقم (٥٩٧٩) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٣٣٤) ، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٥٣) .
(٤) ذكره ابن عطية (١/ ٣٥٣) .
(٥) صدر بيت لجري، وعجزه
............... ... ... وأندى العالمين بطون راح-

<<  <  ج: ص:  >  >>