وأما الجمهور فقد استدلوا بالكتابة، والسنة والمعقول: أما الكتاب، فقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ووجه الدلالة من الآية: أنهم قالوا: إن الله (سبحانه وتعالى) ذكر تحريم أمهات النّساء مطلقا من غير قيد بالدخول، فتحرم أمهات النّساء ولو لم يدخل بهن، ومما يؤيد إطلاق الآية الكريمة ما روي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال في هذه الآية: «المرأة مبهمة، فأبهموا ما أبهم الله» أي أطلقوا ما أطلقه الله، وعمموا حكمها في كل حال، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها. وأيضا فإن المعقود عليها يصدق عليها أنها من نسائه، فتدخل في قوله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ. وأما السنة، فأولا: ما روي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا نكح الرجل امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فله أن يتزوج ابنتها، وليس له أن يتزوج الأم» . وثانيا: ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نكح الرّجل المرأة، فلا يحلّ له أن يتزوّج أمّها، دخل بالبنت أو لم يدخل، وإن تزوّج الأمّ فلم يدخل بها ثمّ طلّقها، فإن شاء تزوّج البنت» أخرجاه في الصحيحين. فهذه الأحاديث صريحة في عدم حل أم الزوجة مطلقا، دخل بها، أو لم يدخل. وأما المعقول، فإنهم قالوا: إن هذا النكاح يفضي إلى قطيعة الرحم لأنه إذا طلق البنت، وتزوج أمها حملها ذلك على الضغينة التي هي سبب لقطيعة الرحم، وكل ما يفضي إلى قطيعة الرحم تحرمه الشريعة الإسلامية، لذلك نجدها تحرم الجمع بين المرأة وأختها، وبين المرأة وبنتها خوفا من قطيعة الرحم، وهذا المعنى يستوي فيه ما إذا دخل بالبنت، وما إذا لم يدخل بها بخلاف الأم حيث قلنا: لا تحرم بنتها بمجرد العقد عليها لأن إباحة نكاح البنت بعد العقد على أمها لا يفضي إلى القطيعة المحرمة، وذلك لما هو معروف عن الأم من الشفقة على بنتها، فهي تؤثرها على نفسها بخلاف البنت، فإنها لا تؤثر أمها على نفسها. يتبين لنا من بيان الأدلة ومن مناقشة أدلة المخالفين للجمهور رجحان مذهب الجمهور، لقوة أدلتهم، وسلامتها من الطعن، وعدم قوة معارضة غيرها لها. (١) أخرجه الطبري (٣/ ٦٦٤) برقم (٨٩٥٩) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٢) ، وابن كثير (١/ ٤٧١) بنحوه، والسيوطي (٢/ ٢٤٣) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس.