للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، ومعناه: واللَّهُ أعلمُ ببَوَاطِنِ الأمور، ولكم ظواهرُها، فإذا كانَتِ الفتاةُ ظاهِرُها الإيمانُ، فنكاحها صحيح، وفي اللفظ


- مسلما بإسلام أبيه، مملوكا لكافر هو سيد أمه. ولا شك أن هذا التعريض محظور شرعا، فيحظر ما أفضى إليه، وهو التزوج بالأمة الكتابية إذ أن ما يفضي إلى المحظور يكون محظورا.
ونوقش المعقول بوجهيه: بأن على تسليم كون نكاح الإماء فيه تعريض الولد للرق لا يفضي إلى التحريم بل يفيد الكراهة إذ لو كان محرما لما أجاز الشارع للعبد أن يتزوج بأمتين مع وجود العلة المذكورة في نكاحه، كما أن تحصيل الولد رقيقا مسلما أولى من عدم تحصيله أصلا لأن فيه تكثير المقرين بالوحدانية الأمر الذي هو المقصود الأصلي من النكاح. أما كون الولد حرا بعد كونه مسلما، فهو كمال يرجع إلى أمر دنيوي. وفي إمكان المتزوج بالأمة الكتابية عدم تحصيل الولد أصلا بنكاح من لا تلد فلا يتحقق المانع، فلا تحرم. أما كون النكاح فيه تعريض ولد الحر المسلم لرق الكافر، فهذا غير مطرد، ومؤثر في بعض الحالات دون بعض، وغاية ما يفيد الكراهة لا الحرمة.
وهناك معقول ثالث: استدل به المانعون هو أن الأمة الكتابية جمعت بين نقصين مؤثرين في منع النكاح هما الكفر والرق، فيحرم نكاحها كالحرة المجوسية، حرمت لاجتماع نقصي الكفر وعدم الكتاب فيها.
ونوقش: بأن المانع من نكاح الحرة المجوسية هو تغليظ كفرها بعدم الانتماء إلى نبي أو كتاب منزل، فأشبهت المشركة، ولا كذلك الأمة الكتابية فظهر الفرق بينهما.
واستدل المجيزون بالكتاب والمعقول: أولا: الكتاب، وهو قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء: ٣] الآية، وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، وقوله:
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥] .
وجه الدلالة: أن العمومات التي اشتملت عليها هذه الآيات أفادت حل النكاح بالنساء مطلقا من غير تقييد بحرائر أو إماء بإيمان أو غير إيمان. ذلك لأن الآية أفادت حل النساء المستطابة مطلقا من غير تقيد بحرية أو غيرها. والآية الثانية أفادت حل المملوكات، وهو بإطلاقه شامل للكتابيات وغيرها.
والآية الثالثة إنّما يتم الاستدلال بها على المطلوب إذا فسّرت المحصنات بالعفائف لأن العفيفة كما تكون حرة تكون أمة. دل عليه استثناؤها من المحصنات في قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: ٢٤] ، فكان لفظ «المحصنات» متناولا للإماء كما هو متناول للحرائر.
ونوقش: بأن هذه العمومات المستدل بها مراد بها الحرائر دون الإماء، شهد بذلك سياق الآيات ففي سياق قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ وقوله تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء: ٤] والمملوكة سيدها هو المتولي قبض مهرها، فكان هذا دليلا على خصوصية الحرائر بالآية لأنهن اللائي يقبضن مهورهن.
وكذا قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: ٣] سيق لبيان عدم اشتراط العدل في نكاح المملوكات دون الحرائر.
أما قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فلا دلالة فيها على حل نكاح الإماء لأن الإحصان اسم مشترك يتناول معان مختلفة، وليس بعام حتى يجري على مقتضى لفظه، فكان مجملا موقوفا على البيان معناه. ووقوع الاتفاق على أن حل الحرائر من الكتابيات مستفاد من الآية مشعر بورود بيان يفيد ذلك. أما الإماء، فعدم البيان في حقهن مبق لهن على أصل المنع والتحريم.
وأجيب: بأن دعوى سوق العمومات في الحرائر دون الإماء لا تمنع دلالة العمومات على حل الإماء-

<<  <  ج: ص:  >  >>