وما استندوا إليه من الاتفاق على حل الحرائر لا ينهض حجة لهم لأن التحريم لا يثبت إلا بنص، فما لم يرد يكون حكم العموم جاريا على أفراده، وهاهنا كذلك، فتكون العمومات متناولة للحرائر والإماء على أن الراجح إرادة العفائف من المحصنات لا غيرها في هذا المقام، كما روي هذا عن جماعة من السلف. وأيده كون العفة من معاني الإحصان، وورود القرآن الكريم بذلك، وما عدا هذا المعنى من معاني الإحصان فغير مراد لعدم قيام الدليل، وحيث كانت العفة هي المرادة وهي صادقة على الحرائر والإماء، وجب اعتبار عموم العفة في تناولها للحرائر والإماء، فوجب القول بحل الإماء الكتابيات لأنها من أفراد العام في الآية. واستدلوا ثانيا بالمعقول، وهو قياس الأمة الكتابية على الأمة المسلمة بجامع جواز وطء كل منهما بملك اليمين، فحيث جاز نكاح الأمة المسلمة اتفاقا، جاز كذلك نكاح الأمة الكتابية. ونوقش: بأن وطء الإماء بملك اليمين أقل شأنا من وطئهن بملك النكاح. وثبوت الحكم في الأدنى غير مستلزم ثبوته في الأعلى، ولذا كانت الأمة المسلمة يجوز وطؤها بملك اليمين، وعند وجود حرة تحت الزوج يمتنع، ولو كانت حرة لا أمة لجاز النكاح. وأجيب: بأن ما استظهر به من منع نكاح الأمة المسلمة عند وجود حرة، لا يصلح علة في جميع الأحوال، بل هو علة لجواز الأمة منفردة غير مجموعة إلى غيرها، ومن هنا كانت الأمة المسلمة يجوز وطؤها بملك اليمين، ويجوز نكاحها منفردة، وحين تكون تحت الزوج حرة يمتنع نكاحها من جهة أخرى هي جمعها مع حرة. ينظر: «أثر الاختلاف في الأحكام» لشيخنا بدران أبو العينين. (١) أخرجه الطبري (٤/ ٢٢) برقم (٩٠٧٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٩) ، والسيوطي (٢/ ٢٥٤) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.