للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْتقبل، وقراءةُ الجمهور أمْكَنُ.

ثم أمر سبحانه الجَمِيعَ بالتعاوُنِ عَلَى البِرِّ والتقوى، قال قوم: هما لَفْظَانِ بمعنًى، وفي هذا تَسَامُحٌ، والعُرْفُ في دلالةِ هَذَيْنِ أنَّ البِرَّ يَتَنَاوَلُ الواجبَ والمَنْدُوبَ، والتقوى:

رعايةُ الوَاجِبِ، فإنْ جعل أحدهما بَدَلَ الآخَرِ، فبتجوُّز.

قُلْتُ: قال أحمدُ بْنُ نصر الداوديّ: قال ابنُ عباس: البِرُّ ما أُمِرْتَ به، والتقوى ما نُهِيتَ عنه «١» . انتهى، وقد ذكرنا في غَيْرِ هذا الموضعِ أنَّ لفظ التقوى يُطْلَقُ على معانٍ، وقد بيَّناها في آخر «سُورة النُّور» ، وفي الحديثِ الصحيحِ: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» «٢» ، قال ابنُ الفَاكهانِيِّ، عنْد شرحه لهذا الحديث: وقد رُوِّينَا في بعضِ الأَحاديثِ: «مَنْ سعى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِمِ، قُضِيَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تُقْضَ- غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ» «٣» ، انتهى مِن «شَرْح الأربعين» حديثاً.

ثم نهى تعالى عن التعاوُنِ عَلَى الإثْمِ والعُدْوَانِ، ثم أمر بالتقوى، وتوعّد توعّدا


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٤٠٦) .
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٧٤) ، كتاب «الذكر والدعاء» ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، حديث (٣٨/ ٢٦٩٩) ، والترمذي (٤/ ٢٦) كتاب «الحدود» ، باب ما جاء في الستر على المسلم، حديث (١٤٢٥) ، (٤/ ٢٨٧- ٢٨٨) كتاب البر والصلة» ، باب ما جاء في السترة على المسلم، حديث (١٩٣٠) ، وأبو داود (٢/ ٧٠٤) كتاب «الأدب» ، باب في المعونة للمسلم، حديث (٤٩٤٦) ، وابن ماجة (١/ ٨٢) المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث (٢٢٥) ، وأحمد (٢/ ٢٠٢) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١١٩) ، والبغوي في «شرح السنة» (١/ ٢٢١- بتحقيقنا) كلهم من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا.
قال النووي في «شرح مسلم» (٩/ ٢٨) .
ومعنى (نفس الكربة) : أزالها.
وفيه: فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وقد سبق تفصيله، وفضل إنظار المعسر، وفضل المشي في طلب العلم، ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي، بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى، وإن كان هذا شرطا في كل عبادة، لكن عادة العلماء يقيدون هذه المسألة به لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس، ويغفل عنه بعض المبتدئين ونحوهم.
(٣) ذكره ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (٢/ ١٤٣) ، وعزاه للمنذري في «جزء غفران الذنوب» من حديث ابن عباس وقال: فيه أحمد بن بكار المصيصي، قال الحافظ في «اللسان» : عندي أنه أحمد بن بكر البالسي خبطوا في نسبه، والحديث موضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>