للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حكم بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنه لا حرامَ إلا ما حرَّمه الله ورسولُه ولا تأثيمَ إلا ما أَثم الله ورسولُه به فاعلَه، كما أنه لا واجبَ إلا ما أوجبَه الله، ولا حرامَ إلا ما حرَّمه الله، ولا دِينَ إلا ما شرعه؛ فالأصل في العبادات: البطلان حتى يقومَ دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات: الصحة حتى يقومَ دليل على البطلان والتحريم" (١).

وبيَّن -أي ابن القيم- أخطاء أصحاب الرأي والقياس، فقال: "وأمَّا أصحاب الرَّأي والقياس: فإنهم لما لم يعتنوا بالنصوص، ولم يعتقدوها وافية بالأحكام، ولا شاملة لها، وغلاتُهم على أنها لم تَفِ بعُشر معشارها! فوسَّعوا طرق الرأي والقياس، وقالوا بقياس الشَبَهِ، وعلَّقوا الأحكام بأوصاف لا يُعْلَمُ أن الشارعَ علَّقها بها، واستنبطوا عِلَلاً لا يُعْلَمُ أن الشارعَ شرعَ الأحكام لأجلها، ثم اضطرهم ذلك إلى أَنْ عارضوا بين كثير من النصوص والقياس؛ ثم اضطربوا: فتارة يقدّمون القياس، وتارة يقدِّمون النص، وتارة يفرِّقون بين النص المشهور وغير المشهور، واضطرهم ذلك -أيضًا- إلى أنِ اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شُرِعَتْ على خلاف القياس؛ فكان خطؤهم من خمسة أوجه:

أحدها: ظنهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث.

الثاني؛ معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس.

الثالث: اعتقادُهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف الميزانِ والقياسِ -والميزان هو العدل-؛ فظنُّوا أن العدلَ خلاف ما جاءت به هذه الأحكام.

الرابع: اعتبارُهم عللاً وأوصافًا لم يعلم اعتبار الشارع لها، وإلغاؤهم عللاً وأوصافًا اعتبرها -كما تقدم بيانُه-.

الخامس: تناقضهم في نفس القياس -كما تقدم أيضًا-" (٢).

ثم قال في بيان فضل الصحابة في العلم على من بعدهم:

"هذا فيما انفردوا به عنَّا، أما المدارك التي شاركناهم فيها -من دلالات الألفاظ والأقيسة-؛ فلا ريب أنهم كانوا أَبَرَّ قلوبًا، وأعمقَ علمًا، وأقل تكلُّفًا، وأقربَ إلى أن يوفَقُوا فيها لِمَا لَمْ نُوَفَّقْ له نحن، لما خصَّهم الله تعالى به من توقُّدِ الأذهان، وفصاحةِ اللسان، وسعةِ العلمِ، وسهولةِ الأخذِ، وحُسْنِ الإدراكِ


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ١٠٧ - ط. ابن الجوزي).
(٢) "إعلام الموقعين" (١/ ٣٤٩). أو (٣/ ١١٥ - ط. ابن الجوزي).