للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وسُرعتِهِ، وقِلَّةِ المُعَارِضِ أو عَدَمِهِ، وحُسْنِ القَصْدِ، وتقوى الرَّبَّ تعالى؛ فالعربيَّةُ طبيعتهم، وسليقتُهم، والمعاني الصحيحةُ مركوزةٌ في فِطَرِهم وعقولِهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسنادِ، وأحوالِ الرواةِ، وعِلَلِ الحديثِ، والجَرْحِ والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين؛ بل قد غنوا عن ذلك كلَّه، فليس في حقهم إلا أمران:

أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسولُه كذا .. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أَسْعَدُ الناسِ بهاتين المقدّمتين، وأحظى الأمَّة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما، وأما المتأخّرون؛ فقواهم متفرقة، وهممهم متشعِّبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة، وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم -على اختلافهم، وما أرادوا به- قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص- وإن كان لهم همم تسافر إليها- وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كَلَّتْ من السَّيْرِ في غيرها، وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها.

والمقصود: أنَّ الصحابةَ أغناهم الله تعالى عن ذلك كله، فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط، هذا؛ إلى ما خُصُّوا به من قوى الأذهان وصفائها، وصختها، وقوة إدراكها وكمالها، وكثرةِ المعاون، وقِلةِ الصارفِ، وقُرْبِ العهد بنور النبوَّة والتلقّي من تلك المشكاة النبوية.

فإذا كان هذا حالُنا وحالُهم فيما تميزوا به علينا، وما شاركناهم فيه؛ فكيف نكون -نحن، أو شيوخنا، أو شيوخهم، أو مَنْ قلّدناه- أسعدَ بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟!

ومن حدَّثَ نفسَه بهذا؛ فَلْيَعْزِلْهَا من الدين والعلم، والله المستعان" (١).

ولعل انتساب كثير من أهل العلم إلى المذاهب الأربعة، ومذهب أهل الظاهر، ساعَدَ في ضعف الأخذ بآثار الصحابة والعناية بها كالعناية بالحديث النبوي، روايةَ ودِرَايةَ، وقد أشار إلى هذا ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

ولا يعني هذا أنَّ أتباع الأئمة جانبوا الصواب في معرفة الأحكام؛


(١) "إعلام الموقعين" (٤/ ١٤٨ - ١٥٠).
(٢) انظر: الإعلام (٢/ ٢٢٦).